تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال سبحانه:) إذْ يُوْحِي رَبُّكَ إلَى المَلاَئِكَةِ أَنّي مَعَكُمْ (-إلى قوله:-) سَأُلْقِي في قُلُوبِ الذينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْربُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ واضْرِبُوا مِنْهُم كَلَّ بَنَانٍ* ذلكَ بأنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ ورسولهُ (فجعل إلقاء الرُّعب في قلوبهم والأَمر بقتلهم لأجل مشاقَّتهم لله ورسوله، فكل من شاقَّ الله ورسوله يستوجب ذلك.

والمؤذي للنبي مُشَّاقٌ للهِ ورسوله كما تقدم فيستحق ذلك.

تفسير قولهم "هو أذن"

وقولهم:) هُوَ أُذُن (قال مجاهد: "هو أذُنٌ" يقولون: سنقول ما شِئْنَا ثم نحلف له فيصدقنا.

وقال الوالبي عن ابن عباس: يعني أنه يسمع من كل أحدٍ.

قال بعض أهل التفسير: كان رجال من المنافقين يؤذون رسول الله e ويقولون ما لا ينبغي، فقال بعضهم: لا تفعلوا، فإنّا نخاف أن يبلغه ما تقولون فيقع بنا، فقال الجُلاَّسُ: بل نقول ما شئنا ثم نأتيه فيصدقنا، فإنما محمدٌ أذنٌ سامعه، فأنزل الله هذه الآية.

وقال ابن إسحاق: كان نَبْتَل بن الحارث الذي قال النبي e فيه: "مَن أَرَادَ أَنْ يَنْظُرْ إلَى الشَّيْطَانِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى نَبْتَل بنِ الحَارِثِ" ينمُّ حديثَ النبي e إلى المنافقين، فقيل له: لا تَفْعَلْ، فقال: إنما محمد أُذُن، مَن حدثه شيئاً صدَّقه، نقول ما شيئنا ثم نأتيه فنحلف له فيصدقنا عليه، فأنزل الله هذه الآية.

وقولهم: [أذن] قالوه ليبينوا أن كلامهم مقبول عنده، فأخبر الله أنه لا يصدِّق إلا المؤمنين، وإنما يسمع الخبر فإذا حلفوا له فعفا عنهم كان ذلك لأنه أذن خير، لا لأنه صدَّقهم. قال سفيان بن عُيَيْنَة: أذن خير يقبل منكم ما أظهرتم من الخير ومن القول، ولا يؤاخذكم بما في قلوبكم، ويَدَعُ سرائركم إلى الله، وربما/ تَضَمَّنت هذه الكلمة نوع استهزاء و استخفاف.

فإن قيل: فقد "روى نُعيم بن حماد ثنا محمد بن ثور عن يونُس عن الحسن قال: قال رسول الله e: " اللَّهُمَّ لا تجعَلْ لفاجرٍ ولا لفاسق عندي يداً ولا نعمةً فإني وجدت فيما أوحيتَه:) لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ واليَوْمِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللهَ وَرَسُولَهُ (" قال سفيان: يرون أنها أُنزلت فيمن يخالط السلطان، رواه أبو أحمد العسكري"،وظاهرُ هذا أن كل فاسق لا تبتغي مَودَّته فهو محاد لله ورسوله، مع أن هؤلاء ليسوا منافقين النفاق المبيح للدَّم.

اسم النفاق يقع على من ارتكب خصلة من خصاله

قيل: المؤمن الذي يحبُّ الله ورسوله ليس على الإطلاق بمحادّ لله ورسوله، كما أنه ليس على الإطلاق بكافر ولا منافق، وإن كانت له ذنوب كثيرة، ألا ترى أن النبي e قال لنُعيمان وقد جُلِد [في الخمر] غير مرة: "إنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ"؛ لأن مطلق المحادَّة يقتضي مطلق المقاطعة والمصارمة والمعاداة والمؤمن ليس كذلك، لكن قد يقعُ اسم النفاق على مَن أتى بِشُعْبَة مِن شُعَبِة، ولهذا قالوا: "كُفْرٌ دون كفرٍ" و "ظُلْمٌ دون ظلمٍ" و "فِسقٌ دون فسقٍ".

وقال النبي e: " كُفْرٌ بِاللهِ تَبَرّؤٌ مِنْ نَسَبٍ وَإِنْ دَقَّ" و "مَن حَلَف بِغَيْرِ اللهِ فَقَدْ أَشْرَكَ" و "آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وَعَدَ أَخْلَف، وَإِذَا ائْتُمنَ خَانَ".

وقال [ابن أبي مُلَيْكَة]: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي e كلهم يخاف النفاق على نفسه.

من الإيمان ألا يواد من حاد الله

فوجه هذا الحديث أن يكون النبي e عَنَى بالفاجر المنافق، فلا ينقض الاستدلال، أو يكون عنى كلَّ فاجر لأن الفجور مَظِنَّة النفاق، فما من فاجر إلا يُخاف أن يكون فجورُهُ صادراً عن مرض في القلب أو موجباً له، فإن المعاصي بَرِيدُ الكفر، فإذا أحَبَّ الفاسِقَ فقد يكون محباً للمنافق، فحقيقةُ الإيمان بالله واليوم الآخر أن لا يُوَادَّ من أظهر من الأفعال ما يُخَاف معها أن يكون محادّاً لله ورسوله، فلا ينقض الاستدلال أيضاً، أو أن تكون الكبائر من شُعَب المحادة لله ورسوله، فيكون مرتكبها محادّاً من وجه وإن كان مُوَالياً لله ورسوله من وجه آخر ويناله من الذِّلَّةِ والكَبْتِ بقدر قِسْطِه/ من المحادة، كما قال الحسن: "وإن طقطقتْ بهم البغال وهَمْلَجَتْ بهم البَرَاذِينُ، إنَّ ذُلَّ المعصية لَفِي رقابهم، أبى الله إلاَّ أن يُذِلَّ مَن عصاه"؛ فالعاصي ينالُه من الذِّلة [والكبت] بحسب معصيته وإن كان له

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير