تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من عزة الإيمان بحسب إيمانه، كما يناله من الذم والعقوبة، وحقيقة الإيمان أن لا يوادَّ المؤمنُ من حادَّ الله بوجه من وجوه المودَّة المطلقة، وقد جُبِلت القلوب على حب مَن أَحْسَنَ إليها وبُغْضَ مَن أساء إليها، فإذا اصطنع الفاجِرُ إليه يداً أحبَّه المحبةَ التي جُبِلت القلوبُ عليها، فيصير موادّاً له مع أن حقيقة الإيمان توجب عدم مودته مع ذلك الوجه وإن كان معه من أصل الإيمان ما يستوجب به أصل المودة التي تستوجب أن يخص بها دون الكافر والمنافق، وعلى هذا [فـ]ـلا ينقض الاستدلال أيضاً؛ لأن من آذى النبي e فإنه أظهر حقيقة المحادَّة ورأسها الذي يوجبُ جميع أنواع المحادة، فاستوجب الجزاء المطلق، وهو جزاء الكافرين، كما أن مَن أظهر حقيقة النفاق ورأسه اسْتَوْجَب ذلك، وإن لم يستوجبه مَن أظهر شُعْبَةً مِن شعبه، والله سبحانه أعلم.

الدليل الثاني من القرآن على كفر الشاتم

الدليل الثاني على ذلك: قوله سبحانه: ?يَحْذَرُ المُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُوْرَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا في قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزئُوا إنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُون* ولَئِن سَألْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخوُضُ ونَلْعَبُ قُلْ أَبالله وآياتِهِ وَرَسُولهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرتُمْ بَعْدَ إيْمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرميْنَ? وهذا نصٌّ في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر، فالسبُّ المقصود بطريق الأَوْلى، وقد دلَّتْ هذه الآية على [أن] كل مَنْ تنقَّصَ رسول الله e جادّاً أو هازلاً فقد كفر.

وقد رُوي عن رجال من أهل العلم – منهم ابنُ عمر ومحمد بن كعب وزيد بن أسلم وقَتَادة – دخل حديثُ بعضهم في بعض، أنه قال رجل من المنافقين في غزوة تبوك؛ ما رأيتُ مثل قُرَّائنا هؤلاء أرغبَ بطوناً، ولا أكذبَ أَلْسُناً، ولا أجْبَنَ عند اللقاء، يعني رسول الله e وأصحابه القراء، فقال له عَوْف بن مالك: كذبْتَ، ولكنك منافق، لأخبرنَّ رسول الله e، فذهب عَوْف/ إلى رسول الله e [ ليخبره]، فوجدَ القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجلُ إلى رسول الله e وقد ارتحل وركِبَ ناقته، فقال: يا رسول الله إنما كنا نَلْعَبُ ونتحدَّثُ حديث الركب نَقْطَع به عناء الطريق.

قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقاً بِنِسْعَةِ ناقة رسول الله e، وإن الحجارة لتنكب رجليه وهو يقول: إنما نخُوضُ ونلعب، فيقول له رسول الله e: ? أَبِاللهِ وآيَاتِهِ وَرَسُولهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ? ما يلتفت إليه، وما يزيده عليه.

وقال مجاهد: قال رجل من المنافقين: يحدثنا محمدٌ أن ناقة فلان بوادي كذا وكذا، وما يدريه ما الغيب، فأنزل الله عز وجل هذه الآية.

وقال مَعْمَر عن قَتَادة: بينا رسول الله e في غزوة تَبُوك ورَكْبٌ من المنافقين يسيرون بين يديه، فقالوا: أيظنُّ هذا أن يفتح قصورَ الروم وحصونَهَا؟ فأطْلَعَ الله نبيه e على ما قالوا، فقال النبي e " عَليَّ بِهَؤُلاَءِ النَّفَرِ" فدعا بهم فقال: "أََََقُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ " فحلفوا ما كنا إلا نخوض ونلعب.

قال مَعْمر وقال الكلبي: كان رجل منهم لم يمالهم في الحديث يسير مجانباً لهم، فنزلت: ?إِنْ نَعْفُ عَنْ طَآئِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً? فسُمي طائفة وهو واحد.

فهؤلاء لما تنقَّصوا النبي e حيث عابوه والعلماءَ من أصحابه، واستهانوا بخبره أخبر الله أنهم كفروا بذلك، وإن قالوه استهزاء، فكيف بما هو أغلظ من ذلك؟ وإنما لم يُقِم الحدَّ عليهم لكون جهاد المنافقين لم يكن قد أُمِرَ به إذ ذاك، بل كان مأموراً بأن يَدَعَ أذاهم، ولأنه كان له أن يعفو عمن تنقصه وآذاه.

الدليل الثالث من القرآن

الدليل الثالث: قال سبحانه:) وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ (واللمز: العيبُ والطعن، قال مجاهد: يتهمك يسألك يزْراك، وقال عطاء: يَغْتَابُك.

العبرة بعموم اللفظ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير