تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال تعالى:) وَمِنْهُمُ الذِينَ يُؤْذُونَ النّبي (، وذلك يدلُّ على أن كلَّ من لمزه أو آذاه كان منهم؛ لأن) الَّذِينَ (و) مَنْ (اسمان موصولان، وهما من صيغ العموم، والآية وإن كانت نزلت بسبب لَمْزِ قَوْمٍ وأذى آخرين، فحكمها عامٌّ كسائر الآيات اللواتي نزلَنْ على/ أسباب، وليس بين الناس خلافٌ نعلمه أنها تعمُّ الشخصَ الذي نزلت بسببه ومَن كان حاله كحاله، ولكن إذا كان اللفظ أعمَّ من ذلك السبب فقد قيل: إنه يُقْتَصَر على سببه، والذي عليه جماهيرُ الناس أنه يجب الأخْذُ بعموم القول، ما لم يقم دليل يوجب القصر على السبب كما هو مقرر في موضعه.

وأيضاً، فإن كَوْنَه منهم حكم معلق بلفظ مشتق من اللمز والأذى، وهو مناسبٌ لكونه منهم؛ فيكون ما منه الاشتقاقُ هو علَّةً لذلك الحكمِ، فيجب اطِّرَادُه.

الإيمان أو النفاق في القلب والعمل دليل عليه

وأيضاً، فإن الله سبحانه وإن كان قد علم منهم النفاق قبل هذا القول، لكن لم يُعْلِم نبيَّه بكل مَن لم يُظْهر نفاقَهُ، بل قال: ?وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ مَرَدُوا عَلى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ? ثم إنه سبحانه ابتلى الناس بأمور يميز بين المؤمنين والمنافقين كما قال تعالى: ?وَلَيَعْلمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلمَنَّ المُنَافِقِينَ?، وقال تعالى: ?مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِن الطَّيِّبِ?، وذلك لأن الإيمان والنفاق أصْلُه في القلب، وإنما الذي يظهر من القول والفعل فرعٌ له ودليل عليه؛ فإذا ظهر من الرجل شيء من ذلك تَرَتَّبَ الحكم عليه، فلما أخبر سبحانه أن الذين يَلْمَزُونَ النبي e والذين يؤذونه من المنافقين ثبت أن ذلك دليلٌ على النفاق وفرعٌ له، ومعلومٌ أنه إذا حصلَ فرعُ الشيء ودليلُه حصل أصلُه المدلولُ عليه، فثبت أنه حَيْثُما وجد ذلك كان صاحبه منافقاً سواء كان منافقاً قبل هذا القول أو حَدَثَ له النفاق بهذا القول.

فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون هذا القولُ دليلاً للنبي e على نفاق أولئك الأشخاص الذين قالوه في حياته بأعينهم، وإن لم يكن دليل من غيرهم؟

قلنا: إذا كان دليلاً للنبي e الذي يمكن أن يُغْنِيَهُ الله بِوَحْيِهِ عن الاستدلال فأن يَكُونَ دليلاً لمن لا يمكنه معرفةُ [البواطن] أَوْلى وأحْرَى.

وأيضاً، فلو لم تكن الدلالة مُطَّردة في حق كل مَن/ صدر منه ذلك القولُ لم يكن في الآية زَجْرٌ لغيرهم أن يقول مثل هذا القول، ولا كان في الآية تعظيم لذلك القول بعينه؛ فإن الدلالة على عين المنافق قد تكون مخصوصة بعينة، وإن كانت أمراً مُباحاً، كما لو قيل: من المنافقين صاحب الجمل الأحمر وصاحبُ الثوب الأسود، ونحو ذلك، فلما دلَّ القرآن على ذم َّ عَيْنِ هذا القول والوعيدِ لصاحبه عُلم أنه لم يُقْصَد به الدلالة على المنافقين بأعينهم فقط، بل هو دليل على نوعٍ من المنافقين.

وأيضاً، فإن هذا القول مناسبٌ للنفاق؛ فإن لَمْزَ النبي e وأذاه لا يفعله مَن يعتقد أنه رسولُ الله حقاً، وأنه أَوْلى به من نَفْسه، وأنه لا يقول إلا الحق، ولا يحكم إلا بالعدل، وأن طاعته طاعة لله، وأنه يجب على جميع الخلق تعزِيرُه وتوقيره، وإذا كان دليلاً على النفاق نفسِهِ فحيثما حصلَ حصل النفاق.

وأيضاً، فإن هذا القول لا رَيْبَ أنه مُحَرَّم؛ فإما أن يكون خطيئةً دون الكفر أو يكون كفراً، والأول باطل؛ لأن الله سبحانه قد ذكر في القرآن أنواع العُصَاة من الزاني والقاذف والسارق والمُطَفِّفِ والخائن، ولم يجعل ذلك دليلاً على نفاق معين ولا مطلق؛ فلما جعل أصحاب هذه الأقوال من المنافقين عُلم أن ذلك لكونها كفراً، لا لمجرد كونها معصية؛ لأن تخصيص بعض المعاصي بجعلها دليلاً على النفاق دون بعض لا يكون حتى يختص دليلُ النفاق بما يوجب ذلك، وإلاَّ كان ترجيحاً بلا مُرَجِّح، فثبت أنه لابُدَّ أن يختص هذه الأقوال بوصفٍ يُوجبُ كونها دليلاً على النفاق، وكلما كان كذلك فهو كفر.

جعل الله أقوالهم علامة مطردة على عدم الإيمان

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير