تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويدلُ على ذلك أن النبي e تزوَّجَ قَيْلَة بنت قيس بن معدي كرب أخت الأشعث، ومات قبل أن يدخل بها، وقبل أن تقدم عليه، و قيل أنه خيَّرها بين أن يضرب عليها الحجاب وتحرم على المؤمنين وبين أن يطلقها فتنكح من شاءت، فاختارت النكاح، قالوا: فلما مات النبي e تزوجها عكرمة بن أبي جهل بحضرموت، فبلغ أبا بكر، فقال: لقد هممت أن أحرق عليهما بيتهما، فقال عمر: ما هي من أمهات المؤمنين، و لا دخل بها، ولا ضرب عليها الحجاب، وقيل: إنها ارتَدَّت، فاحتجَّ عمر على أبي بكر أنها ليس من أزواج النبي e بارتدادها.

فوجه الدلالة: أن الصدِّيق رضي الله عنه عَزَم على تحريقها وتحريق مَن تزوجها، لما رأى أنها من أزواج النبي e، حتى ناظره عمر أنها ليست من أزواجه، فكف [عنهما] لذلك، فعلم أنهم [كانوا] يَرَوْنَ قتلَ من استحل حُرمة رسول الله e.

و لا يقال: إن ذلك حد الزنى لأنها كانت تكون محرمة عليه، ومَن [تَزَوَّجَ] ذات مَحْرمٍ حُدَّ حَدَّ الزنى أو قُتل؛ لوجهين:

أحدهما: أن حد الزنى الرجم.

الثاني: أن ذلك الحد يفتقر إلى ثبوت الوطْءِ ببينة أو إقرار، فلما أراد تحريق البيت مع جواز ألا يكون غَشِيها عُلم أن ذلك عقوبة لما انتهكه من حرمة رسول الله e.

فصل

الأدلة من السنة على انتقاض عهد الذمي الساب وقتله

و أما السنة فأحاديث:

الحديث الأول: ما رواه الشَّعبيُّ عن علي أن يهوديةً كانت تَشْتُم النبي e وتَقَع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت فأَبْطَل رسول الله e دمها، هكذا رواه أبو داود في "سننه" و ابن بطة في "سننه" وهو من جملة ما استدلَّ به الإمامُ أحمد في رواية ابنه عبدالله، وقال: ثنا جرير عن مغيرة عن الشعبي قال: كان رجل من المسلمين ـ أعني/ أعمى ـ يَأْوِي إلى امرأة يهودية، فكانت تُطْعِمه وتحسن إليه، فكانت لا تزال تشتم النبي e وتؤذيه، فلما كان ليلة من الليالي خَنَقَها فماتت، [فلما] أصبح ذُكِر ذلك للنبي e، فنشد الناس في أمرها، فقام الأعمى فذكر له أمرها، فأبطل رسول الله e دمها.

وهذا الحديث جيد؛ فإن الشعبي رأى علياً وروى عنه حديث شُرَاحَة الهَمْدَانية، وكان على عهد قد ناهز العشرين سنة، وهو كوفي، فقد ثبت لقاؤه علياً، فيكون الحديث متصلاً، ثم إن كان فيه إرسال لأن الشعبي يبعد سماعه من علي فهو حجة وفاقاً، لأن الشعبي عندهم صحيح المراسيل، لا يعرفون له مرسلاً إلا صحيحاً، ثم هو من أعلم الناس بحديث علي وأعلمهم بثقات أصحابه.

وله شاهد حديث ابن عباس الذي يأتي؛ فإن القصة إما أن تكون واحدة أو يكون المعنى واحداً، وقد عمل به عوام أهل العلم، وجاء ما يوافقه عن أصحاب رسول الله e، ومثل هذا المرسل لم يتردَّدِ الفقهاء في الاحتجاج به.

ما يؤخذ من الحديث من الأحكام

وهذا الحديث نَصٌّ في جواز قتلها لأجل شتم النبي e، ودليل على قتل الرجل الذمي وقتل المسلم و المسلمة إذا سبَّا بطريق الأَولى؛ لأن هذه المرأة كانت مُوادعة مُهادِنة، لأن النبي e لما قدم المدينة وَادَعَ جميع اليهود الذين كانوا بها مُوَادَعة مطلقة، ولم يضرب عليهم جِزْيَةً، وهذا مشهور عند أهل العلم بمنزلة المتواتر بينهم، حتى قال الشافعي: "لم أعلم مخالفاً من أهل العلم بالسير أن رسول الله e لما نزل المدينة وادَعَ يهود كافة على غير جزية".

وهو كما قال الشافعي.

أصناف اليهود الذين كانوا حول المدينة

وذلك أن المدينة كان فيما حولها ثلاثَةُ أصنافٍ من اليهود: بنو قَيْنُقَاع، وبنو النضير، وبنو قُرَيْظَة، وكان بنو قينقاع و [بنو] النَّضِير حُلَفَاء الخَزْرَج، وكانت قُرَيْظَة حُلَفَاء الأَوْسِ.

فلما قَدِم النبي e هادَنَهُم و وَادَعَهُم، مع إقراره لهم ولمن كان حَوْل المدينة من المشركين من حلفاء الأنصار على حِلْفِهم وعهدهم الذي كانوا عليه، حتى أنه عاهد اليهود على أن يعينوه/ إذا [حارب، ثم] نقض العهد بنو قَيْنُقَاع، ثم النَّضِير، ثم قُريْظَة.

قال محمد بن إسحاق ـ يعني في أول ما قدم النبي e المدينة ـ: و كتب رسولُ الله e كتاباً بين المهاجرين والأنصار وَادَعَ فيه يهودَ وعاهَدَهم، وأَقَرَّهم على دينهم وأموالهم، واشترط عليهم، وشرط لهم.

قال ابن إسحاق: حدثني: عثمان بن محمد بن عثمان بن الأخنس بن شريق قال: أخذت من آل عمر بن الخطاب هذا الكتاب، كان مقروناً بكتاب الصدقة الذي كَتَب عمر للعمال.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير