تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذه المقتولة ـ والله أعلم ـ كانت من قَيْنُقَاع؛ لأن ظاهر القصة أنها كانت بالمدينة، وسواء كانت منهم أو من غيرهم فإنـ[ـها] كانت ذِمِّيَّةً؛ لأنه لم يكن بالمدينة من اليهود إلا ذميٌّ؛ فإن اليهود كانوا ثلاثَةَ أصنافٍ وكلُّهم معاهد.

و قال الواقديٌّ: "حدثني عبد الله بن جعفر عن الحارث بن الفضيل عن محمد بن كعب القرظي، قال: لما قَدِمَ رسولُ الله e المدينَةَ وادعَتْهُ يهودُ كلُّها، فكتب بينه و بينها كتاباً، وألحق رسول الله e كلَّ قوم بحلفائِهم، وجعل بينه وبينهم أماناً، وشَرَط عليهم شروطاً؛ فكان فيما شرط أن لا يُظَاهِرُوا عليه عدواً.

نقض بني قينقاع العهد

فلما أصاب رسولُ الله e أصحابَ بدرٍ وقدم المدينَةَ بَغَتْ يهودُ، وقطعت ما كان بينها وبين رسول الله e من العهد؛ فأرسل رسولُ الله e إليهم فجمعهم، ثم قال: "يَا مَعْشَرَ يَهُود، أسْلِمُوا فَوَاللهِ إِنَّكُم لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ قَبْلَ أنْ يُوِقَع اللهُ بِكُم مِثْلَ وَقْعَةِ ُقَرْيٍش" فقالوا: يا محمد لا يغرنَّكَ مَن لقيتَ، إنك لقيتَ أقواماً أغماراً، و إنا والله أصحابُ الحَربِ، ولئن قَاتَلْتَنَا لتَعْلَمَنَّ أنك لم تقاتل مثلنا".

ثم ذكر حصارهم وإجْلاَءهم إلى أَذْرِعات، وهم بنو قَيْنُقَاع الذين كانوا بالمدينة.

فقد ذكر ابنُ كعب مثل ما في الصحيفة، وبين أنه عاهَدَ جميع اليهود وهذا مما لا نعلم فيه ترَدُداً بين أهل العلم بسيرة النبي e، ومَن تأمل الأحاديث المأثورة والسيرة كيف كانت [معهم] علم ذلك ضرورةً.

كانت المرأة المقتولة ذمية

وإنما ذكرنا هذا لأن بعضَ المصنفين في الخلاف قال: يحتمل أن هذه المرأة ما كانت ذِمِّيَّةً، وقائلُ هذا ممن ليس له بالسنة كثير عِلم، وإنما يعلم منها في الغالب ما يعلمه العامة، ثم أنه أبطل هذا الاحتمال فقال: لو لم تكن ذمية لم يكن للإهدار معنى،/ فإذا نقل السب والإهدار تعلق به كتعلق الرجم بالزنى و القطع بالسرقة، وهذا صحيح، وذلك أن في نفس الحديث ما يبين أنها كانت ذمية من وجهين:

تعلق الحكم بالوصف المناسب يدل على العلية

أحدهما: أنه قال: إن يهوديةً كانت تَشْتُمُ النبيَّ e؛ فخنقَها رجل؛ فأبطل دَمَهَا؛ فَرَتَّبَ علي رضي الله عنه إبطالَ الدم على الشتم بحرف الفاء، فعُلم أنه هو الموجب لإبطال دمها؛ لأن تعليق الحكم بالوصف المناسِبِ بحرف الفاء يدل على العِلِّية، وإن كان ذلك في لفظ الصحابي، كما لو قال: زنى مَاعِزٌ فَرُجِم، ونحو ذلك؛ إذ لا فرق فيما يرويه الصحابي عن النبي e من أمْرٍ ونَهْي وحكم وتعليل في الاحتجاج به بين أن يحكي لَفْظَ النبي e أو يحكي بلفظه مَعْنَى النبي e؛ فإذا قال: أَمَرَنَا رسول الله e بكذا، أو نهانا عن كذا، أو حكم بكذا، أو فعل كذا لأجل كذا، كان حجة؛ لأنه لا يُقَدِم على ذلك إلا بعد أن يعلمه العلم الذي يجوز له معه أن ينقله، و تَطَرُّق الخطأ إلى مثل ذلك لا يلتفت إليه، كتطرق النسيان والسهو في الرواية، وهذا مُقرر في موضعه.

ومما يوضح ذلك أن النبي e لما ذكر له أنها قُتِلَتْ نَشَدَ الناسَ في أمرها، فلما ذُكر له ذَنْبُهَا أبطل دَمَهَا. وهو e إذا حكم بأمر عَقِبَ حكاية ـ حال ـ حُكِيَت له دلّ ذلك على أن ذلك المحكي هو الموجِبُ لذلك الحكم؛ لأَنَّه حكم حادث، فلابُدَّ له من سبب حادث، ولا سبب إلا ما حُكي له، وهو مناسب؛ فتجب الإضافة إليه.

الوجه الثاني: أن [نشدان] النبي e الناسَ في أمرها ثم إبطال دَمِهَا دليلٌ على أنها كانت مَعْصُومَة، وأن دَمَهَا كان قد انعقد سببُ ضمانِه، وكان مضموناً لو لم يُبْطِلْه النبي e؛ لأنها لو كانت حَرْبِيِّة لم ينشد الناسَ فيها، ولم يَحْتَج أن يُبْطل دمها و يُهْدِره؛ لأن الإبطال والإهدار لا يكون إلا لدمٍ قد انعقد له سبب الضمان. ألا ترى أنه لما رأى [امرأة] مقتولةً في بعض مَغَازِيه أنكر قَتْلَهَا وَنَهَى عن قتل النساء، و لم يبطله، ولم يُهْدِره، فإنه إذا كان في نفسه باطلاً هَدَراً، والمسلمون يعلمون أن دَمَ الحربيةِ غيرُ مضمونٍ، بل هو هَدْر، لم يكن لإبطاله وإهداره وجه، وهذا ولله الحمدُ ظاهرٌ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير