تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ارْتَدَّت، وإنما ذكر مجرد السبَّ والشتم، فعلم أنه لم يَصْدُرَ منها قدر زائد على السَّب والشتم من انتقال من دين إلى دين أو نحو ذلك.

وهذه المرأة إما أن تكون كانت زوجَةً لهذا الرجل أو مملوكة له، وعلى التقديرين فلو لم يكن قَتْلُهَا جائزاً/ لبيّن النبي e له أن قتلها كان محرماً، وأن دمها كان معصوماً، و لأوْجَبَ عليه الكفَّارَةَ بقتل المعصوم والدِّيَةَ إن لم تكن مملوكة له، فلما قال: "اشْهَدُوا أنَّ دَمَهَا هَدَر" ـ و الهدر الذي لا يضمن بقَوَد ولا ديّةٍ ولا كفَّارَة ـ عُلم أنه كان مباحاً مع كونها كانت ذمية، فعُلم أن السبَّ أباح دَمَهَا، لا سيما والنبيُّ e إنما أهْدَرَ دَمَهَا عقب إخباره بأنها قتلت لأجل السبِّ، فعُلم أنه الموجِبُ لذلك، والقصة ظاهرة الدلالة في ذلك.

الدليل الثالث من السنة على انتقاض عهد الذمي الساب وقتله

الحديث الثالث: ما احتج به الشافعي على أن الذميَّ إذا سبَّ قُتِل وبرئت منه الذمة، وهو قصَّةُ كعب بن الأَشْرَفِ اليهوديّ.

قال الخطابي: قال الشافعي: "يقتل الذميُّ إذا سَبَّ النبيَّ e، وتبرأ منه الذمة، واحتج في ذلك بخبر كعب بن الأشرَفِ، وقال الشافعي في "الأُم": لم يكن بحضرة النبي e ولا قربه مشرك من أهل الكتاب إلا يهود المدينة، وكانوا حُلَفَاء الأنصار، ولم تكن الأنصار أَجْمَعَت أولَ ما قَدِمَ رسولُ الله e إسلاماً، فوادَعَتَ يهودُ رسولَ الله e، ولم تخرج إلى شيء من عداوته بقول يظهر و لا فِعْل حتى كانت وقعة بَدْرٍ، فتكلم بعضها بِعَدَاوَتِه والتحريضِ عليه، فَقَتَل رسول الله e فيهم"، ومعلوم أنه إنما أراد بهذا الكلام كعَبَ بن الأشرف، والقصة مشهورة مستفيضة، وقد رواها عمرو بن دِينَارٍ عن جابر بن عبدالله، قال: قال رسول الله e: " مَنْ لِكَعْبِ بِنِ الأَشْرَفِ، فَإِنَّهُ قَدْ آذَى الله َوَرَسُولُهُ؟ " فقام محمد بن مَسْلمة فقال: أنا يا رسول الله، أتحبُ أنَّ أقتله؟ قال: "نعم"، قال: ائْذَن لِي أن أقول شيئاً، قال: "قل"، قال: فأتاه وذكَر ما بينهم، قال: إن هذا الرجل قد أراد الصَّدَقة وعنَّانا، فلما سَمِعه، قال: وأيضاً والله لَتَمَلُنَّهُ، قال: إنا قد اتبعْنَاهُ الآن، ونكره أن نَدَعَه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره، قال: وقد أردت أن تُسْلِفَنِي سَلفاً، قال: فما ترهنني؟ نساءكم، قال: أنت أجمل العرب، أنرهنك نساءنا؟! قال: ترْهَنُوني أولادَكم، قال: يُسَبّ ابن/ أحدنا فيقال: رُهِنت في وِسْقَيْن من تمَرٍ، ولكن نرهنك اللأْمَةَ ـ يعني السلاح ـ قال: نعم، و وَاعَدَه أن يأتَيهُ بالحارث، وأبي عبس بن جبر وعباد بن بشر، فجاؤوا فَدَعَوْهُ ليلاً، فنزل إليهم، قال سفيان: قال غير عمرو: قالت له امرأته: إني لأسمع صَوْتاً كأنَّه صوت دَمٍ، قال: إنما هذا محمد و رضيعُه أبو نائلة، إن الكريم لو دُعِيَ إلى طَعْنة ليلاً لأجاب، قال محمد: إني إذا جاء فسوف أمُدُّ يدي إلى رأسه، فإذا استمكنت منه فَدُونكم، [قال]: فلما نزل نزلَ وهو مُتَوَشِحْ، قالوا: نجد منك رِيحَ الطيب، قال: نعم، تحتي فلانة أعْطَرُ نساء العرب، قال: أفتأذن لي أن أشمَّ منه؟ قال: نعم، فشمَّ، ثم قال: أتأذن لي أن أعود؟ قال: فاستمكن منه، ثم قال: دونكم فقتلوه، متفق عليه.

وروى ابن أبي أويس عن إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمة عن أبيه عن جابر بن عبدالله أن كَعْبَ بن الأشرف عاهَدَ رسولَ الله e أن لا يُعِينَ عليه ولا يُقاتله، ولحق بمكة، ثم قَدِمَ المدينة مُعْلِناً لمعَاداة النبي e، فكان أول ما خَزَع عنه قوله:

أذَاهِبٌ أنتَ لم تَحْلُل بمرْقَبة وَتَارِكٌ أنتَ أمَّ الفضلِ بِالحَرَمِ؟

وفي أبيات يهجوه بها، فعند ذلك نَدبَ رسولُ الله e إلى قتله، وهذا محفوظ عن ابن أبي أوَيْس، رواه الخطَّابي وغيُره، وقال: "قوله: خزع معناه: قطع عهده"، وفي رواية غير الخطابي فخزع منه هجاؤه له، فأمر بقتله، والخَزعُ: القَطْع، يقال: خزع فلان عن أصحابه خزعاً أي: انقطع وتخلف، ومنه سميت خُزَاعة؛ لأنهم انخزعوا عن أصحابهم وأقاموا بمكة؛ فعلى اللفظ الأول يكون التقدير أن قوله هذا هو أوَّلُ خَزْعِهِ عن النبي e، أي: أول انقطاعه عنه بنقض العهد، وعلى الثاني قيل: معناه قطع هجاه للنبي e منه، يعني أنه نقض عهده وذمته، وقيل: معناه خزع من النبي e هجاه، أي: نَالَ منه، وشَعَّثَ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير