منه، ووضع منه.
و ذكر أهلُ المغازي والتفسير مثل محمد بن إسحاق أن كعب بن الأشرف كان مُوَادِعاً للنبي e في جملة مَن وَادَعه من يهود/ المدينة، وكان عربياً من بني طي، وكانت أُمُّه من بني النَّضِير، قالوا: فلما قُتل أهل بَدْرٍ شقَّ ذلك عليه، وذهب إلى مكة ورَثَاهم لقريش، وفضّل دين الجاهلية على دين الإسلام، حتى أنزل الله فيه:) أَلَمْ تَرَ إلى الّذِينَ أُوْتُوا نَصِيْباً مِنَ الكِتَابِ يُؤْمِنونَ بِالجبْتِ والطاغُوْتِ ويَقُولُونَ للّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاَءِ أَهْدَى مِنَ الّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (.
ثم لما رجع إلى المدينة أخذ يُنْشِد الأشعار يهجو بها النبي e، وشَبَّب بنساء المسلمين، حتى آذاهم، حتى قال النبي e " مَنْ لِكَعْب ابْنِ الأَشْرَفِ فَإِنَّهُ [قد] آذَى اللهَ ورَسُولَه؟ "، ذكروا قصة قتله مبسوطة.
وقال الواقدي: "حدثني عبدالحميد بن جعفر عن يزيد بن رُومان ومَعْمَر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك وإبراهيم بن جعفر عن أبيه عن جابر ... " وذكر القصة إلى قتله، قال: "ففزِعَتْ يهود ومَن معها من المشركين، فجاؤوا إلى النبيِّ e حين أصْبَحُوا فقالوا:
قد طُرِقَ صاحبُنَا الليلة وهو سيد من ساداتنا، قُتِلَ غِيلةً بلا جُرْم ولا حَدَثٍ علمناه، فقال رسول الله e:
" إنه لَو قَرَّ كما قَرَّ غَيرُهُ ممَنْ هُوَ عَلى مِثْل رَأْيِه مَا اغْتِيَل ولَكنهُ نَال مِنَّا الأذى، وَهَجَانَا بالشِّعر، ولَم يَفْعَل هذَا أحدٌ منكُمْ إلاَّ كانَ السّيف".
ودعاهم رسول الله e إلى أن يكتب بينهم كتاباً يَنْتَهُونَ إلى ما فيه، فكتبوا بينهم وبينه كتاباً تحت العذْقِ في دار رَمْلَة بنت الحارث، فحَذرت يهود، وخافت وذَلَّت من يوم قَتْل ابن الأشرف".
وجه دلالة القصة
والاستدلالُ بقتل كعب بن الأشرف من وجهين:
أحدهما: أنه كان مُعَاهداً مُهَادناً، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم بالمغازي والسير، وهو عندهم من العلم العام الذي يُستغنى فيه عن نقل الخاصة.
ومما لا رَيْبَ فيه عند أهل العلم ما قَدَّمناه من أن النبي e عاهَد لما قدم المدينة جميعَ أصناف اليهود: بني قَيْنُقَاع والنضير و قرَيْظَة، ثم نقَضَت بنو قَيْنُقَاع عَهْدَه، فحاربهم؛ ثم نقضَ عهده كعبُ بن الأشرف، ثم نقض عهده بنو النَّضير، ثم بنو قُرَيْظَة. وكان ابن الأشرف/ من بني النَّضير، وأمرُهم ظاهرٌ في أنهم كانوا مصالحين للنبي e، وإنما نَقَضُوا العهدَ لما خرج إليهم يستعينهم في دِيَةِ الرجلين اللذَينِ قَتلهما عمرو بن أمَيَّة الضَّمْرِيُّ، وكان ذلك بعد مقتل كَعب بن الأشرف، وقد ذكرنا الروايَةَ الخاصة أن كعب بن الأشرف كان معاهِداً للنبي e. ثم إن النبي e جعله ناقضاً للعهد بهجائه وأذاه بلسانه خاصة.
والدليل على أنه إنما نقض العهدَ بذلك أن النبي e قال: "مَن لِكَعْبِ بِنِ الأشْرِفِ فإنهُ قَدْ آذَى الله ورَسُولَهُ؟ "، فعلَّل نَدْبَ الناسِ له بأذاه، والأذى المُطْلَقُ هو باللسان كما قال سبحانه:) و لَتَسْمَعَنَّ مِنَ الّذِينَ أُوْتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الّذِينَ أَشْرَكُوا أذىً كثيراً (، وقال:) لَنْ يَضُرُوْكُمْ إلاَّ أذىً (، و قال:) وَمِنْهُمْ الّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ويَقُولُونَ هُوَ أذُنٌ (، وقال:) لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَا قَالُوا ([الآية]، وقال:) وَ لا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَ (إلى قوله:) وَ ما كانَ لَكُمْ أنْ تُؤْذُوا رَسولَ اللهِ وَ لا أنْ تَنْكِحُوْا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أبداً (الآية.
ثم ذكر الصلاة عليه والتسليم خبراً وأمْراً وذلك من أعمال اللسان، ثم قال:) إنَّّ الَّذِينَ يُؤْذُوُنَ اللهَ وَرَسُولَهُ (إلى قوله:) وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ (.
و قال النبي e فيما يروى عن ربه تبارك وتعالى: "يُؤْذِيني ابنُ آدمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَ أنَا الدَّهْر" وهذا كثير.
وقد تقدم أن الأذى اسم لقليل الشر وخفيف المكروه، بخلاف الضرر، فلذلك أطلق على القول؛ لأنه لا يضر المؤذَى في الحقيقة.
¥