تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأيضاً، فإنه جعل مطلق أذى الله ورسوله مُوجِباً لقتل رجل معاهد، و معلوم أن سَبَّ الله ورسوله أذَى لله ولرسوله، وإذا رُتِّب الوَصْفُ على الحكم بحرف الفاء دل على أن الوصف علة لذلك الحكم، لا سيما إذا كان مُنَاسباً، وذلك يدل على أن أذَى الله ورسوله عِلة لنَدْب المسلمين إلى قتل مَن يفعل ذلك من المعاهَدِين، وهذا دليل ظاهر على انتقاض عهده بأذى الله ورسوله، والسبُّ من أذى الله ورسولهِ باتفاق المسلمين، بل هو أخص أنواع الأذى.

/وأيضاً، فقد قَدَّمنا في حديث جابر أن أوَّلَ ما نَقَضَ به العهد قصيدته التي أنشأها بعد رجوعه إلى المدينة يهجو بها رسولَ الله e وأن رسول الله e ـ عندما هجاه بهذه القصيدة ـ نَدَبَ إلى قتله، وهذا وحدُه دليلٌ على أنه إنما نقض العهد بالهجاء لا بذهابه إلى مكة.

وما ذكره الواقديُّ عن أشياخه يوضح ذلك ويؤيده، وإن كان الواقديُّ لا يُحْتَجُّ به إذا انفرد، لكن لا رَيْبَ في علمه بالمغازي، واستعلام كثير من تفاصيلها من جهته، ولم نذكر عنه إلا ما أسْنَدْنَاه عن غيره.

فقوله: "لَوْ قَرَّ كَمَا قَرَّ غَيْرُهُ مِمَنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِهِ مَا اغْتِيلَ، ولَكِنَّهُ نَاَلَ مِنَا الأذَى وَهَجَانَا بِالشّعْرِ، ولَمْ يَفْعَل هَذا أحدٌ مِنْكُم إلاَّ كَانَ السّيف" نصٌ في أنه إنما انتقض عهدُ ابن الأشرف بالهجاء ونحوه، وأن مَن فعل هذا من المعاهدين فقد استحقَّ السيف، وحديث جابرٍ المسنَدُ من الطريقين يوافقُ هذا، وعليه العمدَةُ في الاحتجاج.

وأيضاً، فإنه لما ذهَبَ إلى مكة و رجع إلى المدينة لم يَنْدُبِ النبيُّ e المسلمين إلى قتله، فلما بلغه عنه الهجاء نَدَبهم إلى قتله، والحكم الحادث يضاف إلى السبب الحادث، فعُلم أن ذلك الهجاء والأذى الذي كان بعد قُفُوله من مكة موجِبٌ لنقض عهده ولقتاله، وإذا كان هذا في المُهَادِنِ الذي لا يُؤدِّي جِزْيَةً، فما الظنُّ بالذمِّيِّ الذي يعطي الجزية، ويلزم أحكام الملة؟

فإن قيل: إن ابن الأشرف كان قد أُتيَّ بغير السبِّ و الهجاء.

فروى الإمام أحمد قال: ثنا محمد بن أبي عدي عن داود عن ِعْكِرَمة عن ابن عباس قال: لما قَدِم كعب بن الأشرف مكة قالت قريش: ألا ترى إلى هذا الصنبر المنبتر من قومه، يزعم أنه خير منا، ونحن أَهْلُ الحجيج، وأهل السِّدَانة، وأهل السِّقَاية، قال: فنزلت فيهم:) إِنَّ شَانِئكَ هُوَ الأَبْتَرُ (قال: وأُنْزِلَتْ فيه:) ألمْ تَرَ إلى الذِينَ أوتُوا نَصِيباً مِنَ الكتَابِ يُؤْمِنُونَ بالجبْتِ و الطّاغُوتِ ويقُولُونَ/ لِلّذينَ كَفَرُوا هَؤُلاَءِ أَهْدَى مِنَ الذِينَ آمَنُوا سَبيِلاً (إلى قول:) نَصِيراً (".

وقال: ثنا عبد الرزاق قال: قال مَعْمَر: أخبرني أيوبُ عن عِكْرِمة أن كعب الأشرف انْطَلَق إلى المشركين من كفار قريش، فاسْتَجَاشَهُم على النبي e، وأمرهم أن يَغْزُوه، وقال لهم: إنَّا معكم، فقالوا: إنكم أهلُ كتابٍ وهو صاحبُ كتاب، ولا نأمن أن يكون مَكْراً منكم، فإذا أردتَ أن نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين و آمِنْ بهما، ففعل؛ ثم قالوا له: أنحن أهْدَى أم محمد؟ نحن نَصِلُ الرَّحِمَ، ونَقْرِي الضَّيْفَ، ونَطُوفُ بالبيت، ونَنْحَر الكَوم، ونَسِقْي اللبن على الماء، ومحمد قَطَعَ رحمه، وخرج من بلده، قال: بل أنتم خير وأهْدَى، قال: فنزلت فيه:) أَلَمْ تَرَ إلى الّذينَ أُتُوا نَصِيباً مِن الكِتَابِ يُؤْمِنْون بِالجِبْتِ والطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاَءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (.

وقال: ثنا عبد [الرزاق] ثنا إسرائيل عن السُّدِّي عن أبي مالك قال: إن أهل مكة قالوا لكعب بن الأشرف لما قدم [عليهم]: دِينُنَا خيرٌ أم دين محمد؟ قال: اعْرِضُوا عليَّ دينكم، قالوا: نُعَمِّر بيت ربنا، وننحر الكَوْمَاء، ونسقي الحاجَّ الماء، ونَصِلُ الرَّحِم، ونُقْرِي الضيف، قال: دينكم خيرٌ من دين محمد، فأنزل الله تعالى [هذه] الآية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير