تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فلما أبى ابن الأشرف أن ينزع عن أذى رسول الله e وأذى المسلمين وقد بلغ منهم، فلما قدم زيد بن حارثة بالبشارة من بَدْرٍ بقتل المشركين وأَسْرِ مَن أُسِرَ منهم، فرأى الأسرى مُقَرَّنين كُبِتَ وذَلَّ، ثم قال لقومه: ويلكم! و الله لَبَطْنُ الأرض خيرٌ لكم من ظهرها اليوم، هؤلاء سَرَاة الناس قد قُتِلوا وأسروا، فما عندكم؟ قالوا: عَداوته ما حيينا، قال: وما أنتم وقد وطئ قومه وأصابهم؟ ولكني أخرجُ إلى قريش فأحُضُّها وأبكي قتلاها لعلهم ينتدبون فأخرجُ معهم، فخرج حتى قدم مكة، ووضع رَحْلَه عند وَدَاعة بن أبي صُبيرة السَّهْمي، وتحته عاتكةُ بنت أسيد بن أبي العيص، فجعل يَرْثي قريشاً"، وذكر ما رثاهم به من الشعر وما أجابه به حسان، فأخبره بنزول كعب على مَنْ نزل، فقال حسان فذكر شعراً هجا به أَهْلَ البيت الذي نزل فيهم، قال: "فلما بلغها هجاؤه نبَذَتْ رَحْله وقالت: ما لنا ولهذا اليهوديِّ؟ ألا ترى ما يصنع بنا حسان؟ فتحَوَّل، فكلما تحَوَّل عند قوم دعا رسول الله e حساناً، فقال: ابن الأشرف نزل على فلان، فلا يزال يهجوهم حتى نبذ رحله، فلما لم يجد مأوى قدم المدينة، فلما بلغ النبيَّ e قدومُ ابن الأشرف قال: "اللهمَّ اكفني ابنَ الأشرف بما شئت في إعلانه الشر وقوله الأشعار" وقال رسول الله e: " مَن لِي مِن ابن الأشرِف فقَدْ آذاني؟ " فقال محمد بن مسلمة: أنا يا رسول الله، وأنا أقتله، قال:/ "فافعل"، وذكر الحديث.

اعتراض: إنَّ قتل ابن الأشرف كان بسب كثرة ذنوبه

فقد اجتمع لابن الأشرف ذنوب: أنه رثى قَتْلى قريش، وحَضَّهم على محاربة النبي e، و واطأهم على ذلك، وأعانهم على محاربته بإخباره أن دينهم خيرٌ من دينه، وهجا النبي e والمؤمنين.

الجواب على الاعتراض

قلنا: الجواب من وجوه:

أحدها: أن النبي e لم يَنْدُب إلى قتله لكونه ذهب إلى مكة وقال ما قال هناك، و إنما ندب إلى قتله لما قدم وهجاه، كما جاء ذلك مُفَسراً في حديث جابر المتقدم بقوله: "ثم قدم المدينة مُعْلناً لعداوة النبي e"، ثم بَيَّنَ أن أول ما قطع به العهد تلك الأبيات التي قالها بعد الرجوع، وأن النبي e حينئذِ ندب إلى قتله، وكذلك في حديث موسى بن عقبة: "مَنْ لَنَا مِن ابن الأشر؛ [فإنه] قد استعلن بعداوتنا وهجائنا؟ ".

ويؤيد ذلك شيئان:

أحدهما: أن سفيان بن عُيَيْنَة روى عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال: جاء حُيَيُّ بن أَخْطب وكعبُ بن الأشرف إلى أهل مكة، فقالوا: انتم أهل الكتاب وأهل العلم فأخبرونا عنا وعن محمد، فقالوا: ما أنتم وما محمد؟ فقالوا: نَصِلُ الأرحام، ونَنْحَرُ الكَوْمَاء، ونَسْقي الماء على اللبن، ونفكُّ العُنَاة، ونَسْقِي الحجيج، ومحمد صُنبور، قَطَعَ أرْحَامنا، واتَّبَعه سُرَّاق الحجيج بنو غفار، فنحن خيرٌ أم هو؟ فقالوا: بل أنتم خير وأهْدَى سبيلاً، فأنزل الله تعالى:) أَلمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيْباً مِنَ الكِتَابِ (إلى قوله:) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ ومَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (.

وكذلك قال قتادة: ذُكر لنا أن هذه الآية نزلت في كعب بن الأشرف وحُيَيِّ بن أخْطَبَ رجلين من اليهود من بني النَّضِير لَقِيَا قريشاً في الموْسِم، فقال لهما المشركون: نحن أَهْدَى أم محمد وأصحابه؟ فإنا أهل السِّدَانة و أهل السِّقَاية وأهل الحرم، فقالا: أنتم أهْدَى من محمد وأصحابه، وهما يعلمان أنهما كاذبان، إنما حملهما على ذلك حَسَدُ محمد وأصحابه، فأنزل الله تعالى فيهم:) أُولَئِكَ الَّّذِينَ لَعَنهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (فلما رجعا إلى قومهما قال لهما قومهما: إن محمداً يزعم أنه قد نزل فيكم كذا وكذا، قال: صدق، والله ما حملنا على ذلك إلا حسدُه وبُغْضُه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير