تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذان مرسلان من وجهين مختلفين، فيهما أن كلا الرجلين ذهبا إلى/ مكة وقالا ما قالا ثم إنهما قَدِما فندب النبي e إلى قتل ابن الأشرف وأمسك عن ابن أخطب حتى نقض بنو النضير العهد فأجلاهم النبي e، فلحق بخيبر، ثم جمع عليه الأحزاب، فلما انهزموا دخل مع بني قريظة حصنهم حتى قتله الله معهم؛ فعلم أن الأمر الذي أتياه بمكة لم يكن هو الموجب للندب إلى قتل ابن الأشرف، وإنما هو ما اختص به ابن الأشرف من الهجاء ونحوه، وإن كان ما فعله بمكة مؤيداً عاضداً، لكن مجرد الأذى لله ورسوله موجبٌ للندب إلى قتله، كما نص عليه النبي e بقوله: "من لكعب بن الأشرف؛ فإنه قد آذى الله ورسوله" وكما بَيَّنَه جابر في حديثه.

الوجه الثاني: أن ابن أبي أويس قال: "حدثني إبراهيم بن جعفر الحارثي عن أبيه عن جابر قال: لما كان من أمر النبي e وبني قريظة ـ كذا فيه، وأحسبه: وبني قَيْنُقَاع ـ اعتزل كعب بن الأشرف ولحق بمكة، وكان فيها، وقال: لا أعين ولا أقاتله، فقيل له بمكة: أديننا خيرٌ أم دين محمد وأصحابه؟ قال: دينكم خير وأقدم، دين محمد حديث"، فهذا دليل على أنه لم يُظْهر محاربة.

الجواب الثاني: أن جميع ما أتاه ابنُ الأشرف إنما هو أذى باللسان، فإن مَرثِيته لقَتْلَى المشركين وتحضيضه وسَبَّه وهجاءهُ وطعنه في دين الإسلام وتفضيل دين الكفار عليه، كله قول باللسان، ولم يعمل عملاً فيه محاربة، ومَن نَازَعَنَا في سب النبي e ونحوه فهو في تفضيل دين الكفار وحضهم باللسان على قتل المسلمين أشد منازعة؛ لأن الذمي إذا تجسس لأهل الحرب وأخبرهم بِعَوْرَاتِ المسلمين ودعا الكفار إلى قتالهم انْتَقَضَ عهده أيضاً عندنا كما ينتقض عهد الساب، ومن قال: إن الساب لا ينتقض عهده فإنه يقول: لا ينتقض العهد بالتجسس للكفار ومطالعتهم بأخبار المسلمين بطريق الأولى عندهم، وهو مذهب أبي حنيفة والثوري والشافعي أيضاً على خلاف بين أصحابه، وابن الأشرف لم يوجد منه إلا الأذى باللسان فقط؛ فهو حجة على مَن نازع في هذه المسائل، ونحن نقول: إن ذلك كله نقض للعهد.

الجواب الثالث: أن تفضيل دين الكفار على دين المسلمين هو دون سَبَّ النبي e / بلا ريب؛ فإن كون الشيء مفضولاً أحسن حالاً من كونه مسبوباً مشتوماً، فإن كان ذلك ناقضاً للعهد فالسب بطريق الأولى، وأما مَرْثِيَّتُه للقتلى وحضهم على أخذ ثأرهم فأكثر ما فيه تهييج قريش على المحاربة، وقريش كانوا قد أجمعوا [على] محاربة النبي e عقب بدر، و أرصدوا العير التي كان فيها أبو سفيان للنفقة على حربه، فلم يحتاجوا في ذلك إلى كلام ابن الأشرف، نعم مرثيته وتفضيله ربما زادهم غيظاً، ومحاربة، لكن سَبّه للنبي e وهجاءه له ولدينه أيضاً مما يهيجهم على المحاربة ويُغْرِيهم به، فعلم أن الهجاء فيه من الفساد ما في غيره من الكلام وأبلغ، فإذا كان غيره من الكلام نقضاً فهو أن يكون نقضاً أولى؛ ولهذا قتل النبي e جماعة من النسوة اللواتي كن يشتمنه ويهجونه مع عفوه عمن كانت تعين عليه وتحض على قتاله.

الجواب الرابع: إنما ذكره حجة لنا من وجه آخر، وذلك أنه قد اشتهر عند أهل العلم من وجوه كثيرة أن قوله تعالى:) أَلَمْ تَرَ إِلىَ الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الكِتَابِ (نزلت في كعب بن الأشرف بما قاله لقريش، وقد أخبر الله سبحانه أنه لعنه، وأنّ مَن لعنه فلن تجد له نَصِيراً، وذلك دليلٌ على أنه لا عَهْدَ له؛ لأنه لو كان له عهد لكان يجب نصره على المسلمين، فَعُلم أن مثل هذا الكلام يُوجِِبُ انتقاض عهده وعدم ناصره، فكيف بما هو أغْلَظُ منه من شتم وسب؟ وإنما لم يجعله النبيُّ e ـ والله أعلم ـ بمجرد ذلك ناقضاً للعهد؛ لأنه لم يُعْلِن بهذا الكلام ولم يجهر به، وإنما أعلم الله به رسوله وَحْياً كما تقدم في الأحاديث، ولم يكن النبيُّ e ليأخُذَ أحداً من المسلمين والمعاهَدِينَ إلا بِذَنْبٍ ظاهر، فلما رجع إلى المدينة وأعلن الهجاء والعداوة استحق أن يُقْتَل؛ لظهور أذاه وثبوته عند الناس، نعم مَنْ خِيفَ منه الخيانة فإنه يُنْبذُ إليه العهدُ، أما إجراء حكم المحاربة عليه فلا يكون حتى تظهر المحاربة وتثبت عليه.

هل للشعر تأثير في الهجاء؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير