تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الثاني: أَّنَّهُ آذاه بهجائه المنظوم، و اليهودية بكلام منثور، وكلاهما أهدر دمه، فعُلم أن النظم ليس له تأثير في أصل الحكم؛ إذ لم يخص ذلك الناظم، والوصف إذا ثَبَتَ الحكم بدونه كان عديم التأثير، فلا يجعل جزءاً من العلة، ولا يجوز أن يكون هذا من باب تعليل الحكم بعلتين؛ لأن [ذلك] إنما يكون إذا لم تكن إحداهما مندرجة في الأخرى كالقتل والزنى، وأما إذا انْدَرَجَتْ إحداهما في الأخرى فالوصف الأعم هو العلة، والأخص عديم التأثير.

لا فرق بين القليل والكثير

الوجه الثالث: أن الجنس المبيح للدم لا فرق بين قليله وكثيره وغليظه وخفيفه في كونه مبيحاً للدم، سواء كان قولاً أو فعلاً/ كالردة والزنى والمحاربة ونحو ذلك، وهذا هو قياس الأصول؛ فمن زعم أن من الأقوال أو الأفعال ما يبيح الدم إذا كثر، ولا يبيحه مع القلة؛ فقد خرج عن قياس الأصول، وليس ذلك إلا بنص يكون أصلاً بنفسه، و لا نص يدل على إباحة القتل في الكثير دون القليل، وما ذهب إليه المنازع من جواز قتل من كثر منه القتل بالمثقل و الفاحشة في الدبر دون من قل إنما هو حكاية مذهب، والكلام في الجميع واحد.

ثم إنه قد صح عن النبي e أنه رَضَخَ راس يهودي بين حجرين لأنه فعل ذلك بجارية من الأنصار، فقد قَتَلَ مَن قتل بالمثقل قَوَداً مع أنه لم يتكرر منه، وقال في الذي يعمل عمل قوم لوط: "اقْتُلُوا الفَاعِلَ وَالمَفْعَولَ بِهِ" ولم يعتبر التكرر، وكذلك أصحابه من بعده قتلوا فاعل ذلك إما رجماً أو حرقاً أو غير ذلك مع عدم التكرر. وإذا كانت الأصول المنصوصة أو المُجْمَع عليها مستويةً في إباحة الدم بين المرة الواحدة والمرات المتعددة كان الفرق بينهما في إباحة الدم ثبت حكم بلا أصل، و لا نظير، بل على خلاف الأصول الكلية، وذلك غير جائز.

يوضح ذلك: أن ما ينقض الإيمان من الأقوال يستوي فيه واحده وكثيره وإن لم يصرح بالكفر كما لو كفر بآية واحدة أو بفريضة ظاهرة أو سب الرسول مرة واحدة فإنه كما لو صرح بتكذيب الرسول، وكذلك ما ينقض الإيمان من الأقوال لو صَرَّح به وقال: "قد نقضت العهد، وبرئت من ذمتكم" انتقض عهده بذلك، وإن لم يكرره؛ فكذلك ما يستلزم ذلك من السب والطعن في الدين ونحو ذلك لا يحتاج إلى تكرير.

الوجه الرابع: أنه إذا أكثر من هذه الأقوال و الأفعال، فإما أن يُقتل لأن جنسها مبيح للدم أو لأن المبيح قَدْرٌ مخصوص، فإن كان الأول فهو المطلوب، وإن كان الثاني فما حد ذلك المقدار المبيح للدم؟ وليس لأحد أن يحد في ذلك حداً إلا بنص أو إجماع أو قياس عند من يرى القياس في المُقَدَّرات، والثلاثة منتفية في مثل هذا؛ فإنه ليس في الأصول قول أو فعل يبيح الدم منه عدد مخصوص و لا يبيحه أقل منه، و لا ينتقض/ هذا بالإقرار في الزن؛ [فـ]ـإنَّهُ لا يثبت إلا بأربع مرات عند من يقول به، أو القتل بالقسامة؛ فإنه لا يثبت إلا بعد خمسين يميناً عند من يَرَى القَوَد بها، أو رجم المُلاَعَنة؛ فإنه لا يثبت إلا بعد أن يشهد الزوج أربع مرات عند من يرى أنها ترجم بشهادة الزوج إذا نَكَلَتْ؛ لأن المبيح للدم ليس هو الإقرار ولا الأيمان، وإنما المبيح فعل الزنى أو فعل القتل، وإنما الإقرار والأيمان حجة ودليل على ثبوت ذلك، ونحن لم ننازع [في] أن الحجج الشرعية لها نُصُبٌ محدودة، وإنما قلنا: إن نفس القول أو العمل المبيح للدم لا نصاب له في الشرع، وإنما الحكم مُعَلَّقٌ بجنسه.

الوجه الخامس: أن القتل عند كثرة هذه الأشياء إما أن يكون حداً يجب فعله أو تعزيراً يرجع إلى رأي الإمام، فإن كان الأول فلا بد من تحديد موجبه، ولا حد له إلا تعليقه بالجنس، إذ القول بما سوى ذلك تحكّم، وإن كان الثاني فليس في الأصول تعزير بالقتل، فلا يجوز لإثباته إلا بدليل يخصه، و العمومات الواردة في ذلك مثل قوله e: " لا يَحِلُّ دَمُ امرِئٍ مُسْلمٍ إلاَّ بإِحْدَى ثَلاثٍ" يدل على ذلك أيضاً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير