تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الوجه الثاني من الاستدلال به: أن النَّفَرَ الخمسة الذين قَتَلوه من المسلمين: محمد بن مَسْلمة، وأبا نائلة، وعباد بن بشر، و الحارث بن أوس، وأبا عبس بن جبر، قد أذِنَ لهم النبيُّ e أن يغتالوه ويخدعوه بكلام يُظْهرُون به أنهم قد آمنوا ووافقوه، ثم [يقتلوه]، ومن المعلوم أن من أظهر لكافر أماناً لم يجز قتله بعد ذلك لأَجل الكفر، بل لو اعتقد الكافر الحربي أن المسلم آمَنَه وكلمه على ذلك صار مستأمناً، قال النبي e فيما رَواه عنه عمرو بن الحَمِق: "مَن آمنَ رَجُلاً [عَلَى] دَمِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ فَأَنَا مِنْهُ بَرِئ وَإِنَ كَانَ المَقْتُولُ كَافِراً" رواه الإمام أحمد و ابن ماجه.

وعن سليمان بن صُرَد عن النبي e قال: "إذَا آمَنَكَ الرَّجُلُ عَلَى دَمِهِ وَمَالِه فَلا تَقْتُلْه" رواه ابن ماجه.

وعن أبي هريرة عن النبي e قال: "الإِيْمانَ قَيَّدَ/ الفَتْكَ، لا يَفْتِكُ مُؤْمِن" رواه أبو داود وغيره.

لا يحقن دم الهاجي بالأمان

وقد زعم الخطابي أنهم إنما فتكوا به لأنه كان قد خلع الأمان، ونقض العهد قبل هذا، و زعم أن مثل هذا جائز في الكافر الذي لا عهد له كما جازت البيات والإغارة عليهم في أوقات الغِرَّة، لكن يقال: هذا الكلام الذي كلموه به صار مستأمناً، وأدنى أحواله أن يكون له شبهة أمان، ومثل ذلك لا يجوز قتله بمجرد الكفر؛ فإن الأمان يعصم دم الحربي ويصير مستأمناً بأقل من هذا كما هو معروف في مواضعه، وإنما قتلوه لأجل هجائه وأذاه للهِ ورسوله، ومن حَلَّ قتله بهذا الوجه لم يعصم دمه بأمانٍ و لا بعهد كما لو آمن المسلم مَن وجب قتله لأجل قطع الطريق و محاربة الله ورسوله والسعي في الأرض بالفساد الموجب للقتل، أو [آمن] من وجب قتله لأجل زِناه، أو آمن مَن وجب قتله لأجل الردة أو لأجل ترك أركان الإسلام ونحو ذلك، و لا يجوز أن يَعقِدَ له عقد عهد، سواء كان عقد أمان أو عقد هدنة أو عقد ذمة؛ لأن قتله حد من الحدود، وليس قتله لمجرد كونه كافراً حربياً كما سيأتي، وأما الإغارة والبيات فليس هناك قول أو فعل صاروا به آمنين، و لا اعتقدوا أنهم قد أومنوا، بخلاف قصة كعب بن الأشرف؛ فثبت أن أذى الله ورسوله بالهجاء ونحوه لا يُحْقنَ معه الدم بالأمان، فَلأَنَ لا يُحْقَنَ معه بالذمة المؤَبَّدة و الهدنة المؤقتة بطريق الأَولى، فإن الأمان يجوز عقده لكل كافر، ويعقده كل مسلم، ولا يشترط على المستأمَن شيء من الشروط، والذمة لا يعقدها إلا الإمام أو نائبه، ولا تعقد إلا بشروط كثيرة تشترط على أهل الذمة: من التزام الصَّغَار ونحوه، وقد كان عَرَضَتْ لبعض السفهاء شُبْهَة في قتل ابن الأشرف؛ فظن أن دم مثل هذا يعصم بذمة متقدمة أو بظاهر أمان، وذلك نظير الشبهة التي عرضت لبعض الفقهاء حتى ظن أن العهد لا ينتقض بذلك.

بين محمد بن مسلمة وابن يامين عند معاوية

فروى ابن وهب: أخبرني سفيان بن عُيَينة عن عمر بن سعيد أخي سفيان بن سعيد الثوري عن أبيه عن عباية قال: ذُكر قتل ابن الأشرف عند معاوية، فقال ابن يامين: كان قتله غدراً، فقال محمد بن مسلمة: يا معاوية أَيُغَدَّرُ/ عندك رسول الله e ثم لا تنكر؟ والله لا يُظِلُّني وإياك سف بيت أبداً، ولا يخلو لي دم هذا إلا قتلته.

وقال الواقدي: "حدثني إبراهيم بن جعفر عن أبيه قال: قال مروان بن الحكم وهو على المدينة وعنده ابن يامين النضيري: كيف كان قتل ابن الأشرف؟ قال ابن يامين: كان غَدْراً، ومحمد بن مسلمة جالس شيخ كبير، فقال: يا مروان أيُغَدَّر رسول الله eعندك؟ و الله ما قتلنا [ه] إلا بأمر رسول الله e، والله لا يؤيني وإياك سقف بيت إلا المسجد، وأما أنت يا ابن يامين فلّله عليّ إن أفلتَّ وقدرت عليك وفي يدي سيف إلا ضربت به رأسك، فكان ابن يامين لا ينزل من بني قريظة حتى يبعث له رسولاً ينظر محمد بن مسلمة، فإن كان في بعض ضياعه نزل فقضى حاجته ثم صدر، وإلا لم ينزل، فبينا محمد في جنازة و ابن يامين بالبقيع، فرأى محمد نعشاً عليه جرائد رطبة لامرأة، فجاء فحلَّه، فقام إليه الناس، فقالوا: يا أبا عبدالرحمن ما تصنع؟ نحن نكفيك، فقام إليه فلم يزل يضربه بها جريدةً جريدة حتى كسّر ذلك الجريد على وجهه ورأسه حتى لم يترك به مَصَحّاً، ثم أرسله و لا طَباخَ به، ثم قال: والله لو قدرت على السيف لضربتك به".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير