فإن قيل: فإذا كان هو وبنو النضير قبيلته موادعين فما معنى ما ذكره ابن إسحاق قال: "حدثني مولى لزيد بن ثابت حدثتني ابنة مُحَيِّصة عن أبيها مُحَيِّصة أن رسول الله e قال: "مَنْ ظَفِرْتُمْ بِهِ مِنْ رِجَالِ يَهُودَ فَاقْتُلُوهُ" فوثب محيصة بن مسعود على ابن سُنينة رجل من تجار يهود كان يلابسهم ويبايعهم فقتله، وكان حُوَيْصة بن مسعود إذ ذاك لم يُسلم، وكان أسن من محيصة؛ فلما قتله جعل حويصة يضربه ويقول: أي عدو الله قتلته؟ أما واللهِ لرُبَّ شحم في بطنك من ماله، فوالله إن كان لأول إسلام حويصة، فقال محيصة: فقلت له: والله لقد أمرني بقتله مَن لو أمرني بقتلك لضربت عنقك، فقال حويصة: والله إن دِيْناً بلغ منك هذا لعجب".
و قال الواقدي ـ بالأسانيد المتقدمة ـ: "قالوا: فلما أصبح رسول الله e من/ الليلة التي قُتل فيها ابن الأشرف قال رسول الله e: " مَنْ ظَفِرْتُمْ بِهِ مِنْ رِجَالِ يَهُودَ فَاقْتُلُوهُ" فخافت يهود، فلم يطلع عظيم من عظمائهم ولم ينطلقوا، وخافوا أن يُبَيَّتُوا كما بُيِّتَ ابن الأشرف"، وذكر قتل ابن سُنينة إلى أن قال: "فَفَزِعَتْ يهود ومَن معها من المشركين"، وساق القصة كما تقدم عنه.
فإن هذا يدل على أنهم لم يكونوا موادعين، وإلا لما أمر بقتل من صُودِفَ منهم، ويدل على أن العهد الذي كتبه النبي e بينه وبين اليهود كان بعد قتل ابن الأشرف، وحينئذ فلا يكون ابن الأشرف معاهداً.
قلنا: إنما أمر النبي e بقتل مَنْ ظُفِر به منهم لأن كعب بن الأشرف كان من ساداتهم، وقد تقدم أنه قال: ما عندكم؟ يعني في النبي e، قالوا: عداوته ما حَيِينَا، وكانوا مقيمين خارج المدينة، فعَظُمَ عليه قتله، وكان مما يهيجهم على المحاربة وإظهار نقض العهد، فأمر النبي e بقتل من جاء منهم؛ لأن مجيئه دليل على نقض العهد وانتصاره للمقتول وذبِّه عنه، وأما من قَرَّ فهو مقيم على عهده المتقدم؛ لأنه لم يظهر العداوة، ولهذا لم يحاصرهم النبي e ولم يحاربهم حتى أظهروا عداوته بعد ذلك، وأما هذا الكتاب فهو شيء ذكره الواقدي وحده.
متى كان قتل ابن الأشرف؟
وقد ذكر هو أيضاً أن قتل ابن الأشرف في شهر ربيع الأول سنة ثلاث، وأن غزوة بني قينقاع كانت قبل ذلك في شوال سنة اثنتين، بعد بدر بنحو شهر.
وذكر أن الكتاب الذي وادع فيه النبي e اليهود كلها كان لما قدم المدينة قبل بدر، وعلى هذا فيكون هذا كتاباً ثانياً خاصاً لبني النضير تجدد فيه العهد الذي بينه وبينهم، غير الكتاب الأول الذي كتبه بينه وبين جميع اليهود لأجل ما كانوا قد أرادوا من إظهار العداوة.
وقد تقدم أن ابن الأشرف كان معاهداً، وتقدم أيضاً أن النبي e كتب الكتاب لما قدم المدينة في أوائل الأمر، و القصة تدل على ذلك، وإلا لما جاء اليهود إلى النبي e وشَكَوْا إليه قتل صاحبهم، ولو كانوا محاربين لم يستنكروا قتله، وكلهم ذكر أن قتل ابن الأشرف كان بعد بدر، وأن معاهدة النبي e لليهود كانت قبل بدر كما ذكره الواقدي.
قال ابن إسحاق: "وكان فيما بين ذلك من غزو رسول الله e أمر بني قينقاع"، يعني فيما بين بدر وغزوة الفرع من العام المقبل في جمادى الأولى، وقد ذكر أن "بني قينقاع هم أول من حارب ونقض العهد".
الدليل الرابع حديث على في من سب نبياً أو صحابياً
الحديث الرابع: ما روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:
قال رسول الله e: " مَنْ سَبَّ نَبِياً قُتِلَ، وَمَنْ سَبَّ أَصْحَابَهُ جُلِدَ"، رواه أبو محمد الخلال، وأبو القاسم الأَزَجي، و رواه أبو ذر الهروي ولفظه "مَنْ سَبَّ نَبِيّاً فَاقْتُلُوهُ، وَمَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَاجْلِدُوهُ".
وهذا الحديث قد رواه عبدالعزيز [بن محمد] بن الحسن بن زَبَالة قال: ثنا عبدالله بن موسى بن جعفر عن علي بن موسى عن أبيه عن جده عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن الحسين بن علي عن أبيه، وفي القلب منه حَزَازة، فإن هذا الإسناد الشريف قد رُكّب عليه متون منكرة، والمحدِّث به عن أهل البيت ضعيف، فإن كان محفوظاً فهو دليل على وجوب قتل من سب نبياً من الأنبياء، و ظاهره يدل على أنه يقتل من غير استتابة، وأن القتل حدٌّ له.
الدليل الخامس قصة رجل أغلظ للصديق
¥