تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الواقدي: حدثني عبدالله بن عمرو بن زهير عن محجن بن وهب قال: كان آخر ما كان بين خزاعة وبين كنانة أن أنس بن زنيم الديلي هجا رسول الله e، فسمعه غلام من خزاعة، فوقع به، فشجه، فخرج إلى قومه فأراهم شَجَّته، فثار الشر مع ما كان بينهم وما تطلب بنو بكر من خُزَاعة من دمائها.

طلب خزاعة حلف المسلمين

قال الواقدي: "حدثني حِزام بن هشام بن خالد الكعبي عن أبيه قال: وخرج عمرو بن سالم الخُزاعي في أربعين راكباً من خُزَاعَةَ يستنصرون رسول الله e، ويخبرونه بالذي أصابهم ـ وذكر قصة فيها إنشاد القصيدة التي أولها ـ:

اللهم إني [ناشدٌ] محمداً ........................

قال: "فلما فرغ الرَّكْبُ قالوا: يا رسول الله، إن أنس بن زُنَيْم الدَّيلي قد هجاك، فندر رسول الله e دمه، فبلغ ذلك أنس بن زُنَيْم، فقدم معتذراً إلى رسول الله e مما بلغه عنه، فقال: ... "، (وذكر قصيدةً فيها مدح [لرسول الله] e/ أولها:)

أنتَ الَّذِي تُهْدَى مَعَدٌّ بأمْرِهِ بَلِ الله يَهْدِيْها، وَقَالَ لَكَ اشْهَدِ

فَما حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا أَبَرَّ وَ أَوْفَى ذِمِّةً مِنْ مُحَمَّدِ

تَعَلّمْ رَسُولَ اللهِ أَنَّكَ مُدْرِكِي وَأَنَّ وَعِيْداً مِنْكَ كَالأَخْذِ بِاليَدِ

وفيها:

تَعَلّمْ رَسُولَ اللهِ أَنَّكَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ سَكْنٍ مِن تِهَامٍ وَمُنْجِدِ

وَنُبّي رَسُولُ اللهِ أَنِّي هَجَوْتُهُ فَلاَ رَفَعَتْ سَوْطِي إِلَيَّ إِذاً يَدِي

سِوَى أنَّني قَدْ قُلْتُ يَا وَيْحَ فِتْيَةٍ أُصِيُبوا بَنَحْسٍ يَوْمَ طَلْقٍ وَ أَسْعُدِ

و يقول فيها:

فَإِنِّي لاَ عِرْضاً خَرَقْتُ، وَلاَ دَماً هَرَقْتُ، فَفَكر عَالَم الحَقِّ وَاقْصِدِ

قال الواقدي: "أنشدنيها [حِزام]، و [بلغت] رسول الله e قصيدته هذه واعتذاره، وكلمه نَوْفَلُ بن معاوية الدِّيلي فقال: يا رسول الله، أنت أولى الناس بالعفو، ومن منا من لم يعادك ويُؤْذِك؟ ونحن في جاهلية لا ندري ما نأخذ وما ندع حتى هدانا الله بك، وأنقذنا بك من الهلك، وقد كذب عليه الركب، وكثروا عندك، فقال: دع الركب عنك؛ فإنا لم نجد بتهامة أحد من ذي رحم ولا بعيد الرحم كان أبر من خزاعة، فأسكت نوفل بن معاوية، فلما سكت قال رسول الله e: " قَدْ عَفَوْت عَنْه"، قال نوفل، فِدَاك أبي وأمي".

وقال ابن إسحاق: و قال أنس بن زُنَيم يعتذر إلى رسول الله e مما كان قد قال فيهم عمرو بن سالم حين قَدِم على رسول الله e يستنصره، ويذكر أنه قد نالوا من رسول الله e، وأنشد تلك القصيدة، وفيها:

وَتعلم أَنَّ الركبَ رَكْبَ عُوَيْمِرٍ هُمُ الكَاذِبُونَ المُخْلِفُو كُلَّ مَوْعِدِ

وجه دلالة قصة أنس بن زنيم

فوجه الدلالة: أن النبي e كان قد صالَح قريشاً وهادنهم عام الحديبية عشر سنين، ودخلت خزاعة في عَقْده، وكان أكثرهم مسلمين وكانوا عَيْبَة نُصْح لرسول الله e مسلمهم وكافرهم، ودخلت بنو بكر في عهد قريش؛ فصار هؤلاء كلهم معاهدين، وهذا مما تواتر به/ النقل ولم يختلف فيه أهل العلم.

ثم إن هذا الرجل المعاهد هجا النبي e على ما قيل عنه، فشجه بعض خزاعة، ثم أخبروا النبي e أنه هجاه، يقصدون بذلك إغراءه ببني بكر فندر رسول الله e دمه، أي: أهدره، ولم يندر دم غيره، فلولا أنهم علموا أن هجاء النبي e من المعاهد (مما يوجب الانتقام منه لم يفعلوا ذلك.

ثم إن النبي e) ندر دمه بذلك، مع أن هجاءه كان حال العهد، و هذا نص في أن المعاهد الهاجي يباح دمه.

ثم إنه لما قدم أسلم في شعره، ولهذا عَدُّوْه من أصحاب النبي e، وقوله: "تَعَلّم رسول الله"، "تَعَلَم رسول الله"، "ونُبي رسول الله" دليل على أنه أسلم قبل ذلك، أو هذا وحده إسلام منه، فإن الوثني إذا قال: "محمد رسول الله" حكم بإسلامه، ومع هذا فقد أنكر أن يكون هجا النبي e، ورَدَّ شهادَةَ أولئك بأنهم أعداء له؛ لما بين القبيلتين من الدماء والحرب، فلو لم يكن ما فَعَلَه مُبيحاً لدمه لما احتاج إلى شيء من ذلك.

ثم إنه ـ بعد إسلامه، واعتذاره، وتكذيبِ المخبرينَ، ومَدْحِه لرسول الله e ـ إنما طَلَبَ العفو من النبي e عن إهْدَارِ دمه، والعفوُ إنما يكون مع جَوَاز العقوبة على الذنب؛ فعلم أن النبي e كان له أن يُعَاقبه بعد مجيئه مسلماً معتذراً، إنما عفا عنه حِلْمَاً وكرماً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير