غيره إذا قاتلت صارت بمنزلة الرجل المحارب.
إذا تقرر هذا فنقول: هؤلاء النسوة كن معصومات بالأنوثة، ثم إن النبي e أمر بقتلهن لمجرد كونهن كن يهجينه، وهنَّ في دار حرب، فعلم أن من هجاه و سبَّه جاز قتله بكل
حال.
ما يؤكد جواز قتل الساب بكل حال
و مما يؤكد ذلك وجوه:
أحدها: أن الهجاء و السب إما أن يكون من باب القتال باللسان فيكون كالقتال باليد، وتكون المرأة الهاجية كالمرأة التي يستعان برأيها على حرب المسلمين كالملكة ونحوها، مثل ما كانت هند بنت عتبة، أو يكون بنفسه موجباً للقتل لما فيه من أذى الله ورسوله والمؤمنين، وإن كان من جنس المحاربة، أو لا يكون شيئاً من ذلك.
فإن كان من القسم الأول أو الثاني جاز قتل المرأة الذمية إذا سبَّت؛ لأنها حينئذٍ تكون قد حاربت أو ارتكبت ما يوجب القتل، فالذمية إذا فعلت ذلك انتقض عهدها و قُتلت، و لا يجوز أن تخرج عن هذين القسمين؛ لأنه يلزم منه قتل المرأة من أهل الحرب من غير أن تقاتل بيدٍ ولا لسان، ولا أن ترتكب ما هو بنفسه موجب للقتل، وقتل مثل هذه المرأة حرام بالسنة والإجماع.
الوجه الثاني
الوجه الثاني: أن هؤلاء النسوة كن من أهل الحرب، وقد آذين النبي e في دار الحرب، ثم قتلن لمجرد السب، كما نطقت به الأحاديث؛ فقتل المرأة الذمية بذلك أولى وأحرى كالمسلمة؛ لأن الذمية بيننا وبينها من العهد ما يَكُفُّها عن إظهار السب، ويوجب عليها التزام الذل والصغار، ولهذا تؤاخذ بما تصيبه للمسلم من دمٍ أَو مالٍ أو عرضٍ، والحربية لا تؤاخذ بشيء من ذلك.
فإذا جاز قتل المرأة لأنها سبَّت الرسول وهي حربية تستبيح ذلك من غير مانع، فقتل الذمية الممنوعة عن ذلك بالعهد أولى.
ولا يقال: عصمة الذمي أوكد؛ لأنه مضمون والحربي غير مضمون.
لأنا نقول: الذمي أيضاً ضامنٌ لدم المسلم، والحربي غير ضامن، فهو ضامنٌ مضمون؛ لأن العهد الذي بيننا اقتضى ذلك، وأما الحربية فلا عهد بيننا و بينها يقتضي ذلك؛ فليس كون الذمي مضموناً يجب علينا حفظه بالذي يُهَوِّن عليه ما ينتهكه من عرض الرسول e، بل ذلك أغلظ لجرمه، وأولى بأن يؤاخذ بما يؤذينا به، لا نعلم شيئاً تقتل به المرأة الحربية قصداً إلا وقتل الذمية به أولى.
الوجه الثالث
الوجه الثالث: أن هؤلاء النسوة لم يقاتلن عام الفتح، بل كن متذللات مستسلمات، والهجاء إن كان من جنس القتال فقد كان موجوداً قبل ذلك، والمرأة الحربية لا يجوز قتلها في غزوةٍ هي فيها مستسلمة لكونها قد قاتلت قبل ذلك؛ فعلم أن السب بنفسه هو المبيح لدمائهن، لا كونهن قاتلن.
الوجه الرابع
الرابع: أن النبي e آمن جميع أهل مكة إلا أن يقاتِلوا، مع كونهم قد حاربوه وقتلوا أصحابه ونقضوا العهد الذي بينهم وبينه، ثم إنه أهدر دماء هؤلاء النسوة فيمن استثناه وإن لم يقاتلن لكونهن كن يؤذينه، فثبت أن جرم المؤذِي لرسول الله e بالسب ونحوه أغلظ من جرم القتال وغيره، وأنه يقتل في الحال التي ينهى فيها عن قتال من قتل وقاتل.
الوجه الخامس
الخامس: أن القينتين كانتا أَمَتَين مأمورتين بالهجاء، وقتل الأمة أبعد من قتل الحرة، فإن النبي e/ نهى عن قتل العسيف، وكونها مأمورة بالهجاء أخف لجرمها حيث لم تقصده ابتداء، ثم مع هذا أمر بقتلهما، فعُلم أن السب من أغلظ الموجبات للقتل.
الوجه السادس
السادس: أن هؤلاء النسوة إما أن يكنَّ قُتِلن بالهجاء لأنهن فعلنه مع العهد الذي كان بين النبي e وبين أهل مكة، فيكون من جنس هجاء الذمي، أو قتلن لمجرد الهجاء مع عدم العهد، فإن كان الأول فهو المطلوب، وإن كان الثاني فإذا جاز أن تقتل السابة التي لا عهد بيننا وبينها يمنعها، فقتل الممنوعة بالعهد أولى؛ لأن مجرد كفر المرأة وكونها من أهل الحرب لا يبيح دمها بالاتفاق على ما تقدم، لا سيما والسب لم يكن بمنزلة القتال على ما تقدم.
فإن قيل: ما وجه الترديد، وأهل مكة قد نقضوا العهد وصاروا كلهم محاربين؟
قيل: لأن النبي e لم يستبح أخذ الأموال وسَبْي الذرية و النساء بذلك النقض العام؛ إما لأنه عفا عن ذلك كما عفا عن قتل مَن لم يقاتل، أو لأن النقض الذي وجد من بعض الرجال بمعاونة بني بكر ومن بعضهم بإقرارهم على ذلك لم يَسْرِ حكمه إلى الذرية.
¥