تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وسعيد بن المسيّب هو الغاية في جودة المراسيل، ولا يضره أن لا يذكره بعض أهل المغازي، فإنهم مختلفون في عدد من استثنى من الأمان، وكلٌّ أخبر بما عَلم، ومَن أثبت الشيء وذكره حجة على من لم يثبته.

ما حدث بين بجير وأخيه كعب بن زهير

وقد ذكر ابن إسحاق قال: فلما قدم رسول الله e إلى المدينة منصرفاً عن الطائف كتب بُجَير بن زهير بن أبي سُلْمى إلى أخيه كعب ابن زهير يخبره أن رسول الله e قد قتل رجالاً بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه، وأن من بقي من شعراء قريش عبدالله بن/ الزِّبَعْرَى وهُبيرة بن أبي وهب قد هربوا في كل وجه؛ ففي هذا بيان أن النبي e أمر بقتل من كان يهجوه ويؤذيه بمكة من الشعراء مثل ابن الزِّبَعْرَى وغيره.

ذنب ابن الزِّبَعْرَى

ومما لا خفاء به أن ابن الزِّبَعْرَى إنما ذنبه أنه كان شديد العداوة لرسول الله e بلسانه؛ فإنه كان من أشعر الناس، وكان يُهاجي شعراء الإسلام مثل حسان وكعب بن مالك، [فأما] ما سوى ذلك من الذنوب قد شركه وأربى عليه عددٌ كثير من قريش.

ثم إن ابن الزِّبَعْرَى فر إلى نجران، ثم قدم على النبي e مسلماً، وله أشعار حسنة في التوبة والاعتذار، فأهدر دمه للسبّ، مع أمانه لجميع أهل مكة إلا من كان له جرم مثل جرمه ونحو ذلك.

قصة أبي سفيان بن الحارث

ومن ذلك أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب، قصته في هجائه للنبي e وفي إعراض النبي e عنه لما جاءه مسلماً مشهورةٌ ومستفيضةٌ.

وقد ذكر الواقدي قال: "حدثني سعيد بن مسلم بن قَماذِين عن عبدالرحمن بن سابط وغيره، قال: كان أبو سفيان بن الحارث أخا رسول الله e من الرضاعة، أرضعته حليمة أياماً، وكان يألف رسول الله e، وكان له تِرْبَاً، فلما بُعِث رسول الله e عاداه عداوةً لم يعاد أحداً قط، ولم يكن دخل الشعب، وهجا رسول الله e، وهجا أصحابه" وذكر الحديث، إلى أن قال: "ثم إن الله ألقى في قلبه الإسلام، قال أبو سفيان: فقلت: من أصحبُ؟ ومع من أكون؟ قد ضرب الإسلام بجرانه، فجئت زوجتي وولدي فقلت: تهيؤوا للخروج قد أظل قدوم محمد، قالوا: قد آن لك أن تُبْصِر أن العرب والعجم قد تبعت محمداً، وأنت تُوضِع في عداوته، وكنتَ أولى الناس بنصرته، فقلت لغلامي مذكور: عَجِّل بأبعرتي وفرسي، قال: ثم سرنا حتى نزلنا بالأبواء، وقد نزلت مقدمته بالأبواء، فتنكرتُ و خِفتُ أن أُقتل، وكان قد ندر دمي فخرجت وأخذ ابني جعفر على قدمي نحواً من ميل في الغداة التي صَبَّح رسول الله e الأبواء، فأقبل الناس رَسَلاً رسلاً ـ (أي: قطيعاً قطِيعاً) ـ فَتنَحَّيتُ فَرَقاً من أصحابه، فلما طلع في موكبه تصديت له تلقاء وجهه، فلما ملأ عينيه مني أعرض عني بوجهه إلى الناحية الأخرى، فتحولت إلى ناحية وجهه الأخرى، فأعرض عني مراراً، فأخذني ما قَرُبَ وما بَعُد، وقلت: أنا مقتول قبل أن أصل إليه، وأتذكر برَّه ورحمه وقرابتي فيمسك ذلك مني، وقد كنت لا أشك أن رسول الله e وأصحابه سيفرحون بإسلامي فرحاً شديداً وقرابتي برسول الله e، فلما رأى المسلمون إعراض رسول الله e عني، أعرضوا عني جميعاً، فلقيني ابن أَبي قحافة معرضاً عني، ونظرت إلى عمر يُغْرِي بي رجلاً من الأنصار، فأَلَزَّ بي رجلٌ يقول: يا عدو الله أنت الذي كنت تؤذي رسول الله e وتؤذي أصحابه؟ قد بلغتَ مشارق الأرض ومغاربها في عداوته، فرددتُ بعض الردِّ عن نفسي، فاستطال عليَّ ورفع صوته حتى جعلني في مثل الحَرَجَة من الناس يُسَرُّون بما يفعل بي، قال: فدخلت على عمي العباس، فقلت: [يا عم]، قد كنت أرجو أن سيفرح رسول الله e بإسلامي لقرابتي و شَرَفي، وقد كان منه ما رأيت فكلِّمه ليرضى عني، قال: لا والله لا أكلمه كلمة فيك أبداً بعد الذي رأيتُ منه ما رأيت إلا أن أرى وجهاً، إني أُجِلُّ رسول الله e وأهابه، فقلت: يا عم إلى من تكلن؟ قال: هو ذاك، فلقيت علياً فكلمته، فقال لي مثل ذلك"، وذكر الحديث، إلى أن قال: "فخرجت فجلست على باب منزل رسول الله e حتى راح إلى الجُحْفَة، وهو لا يكلمني ولا أحد من المسلمين، وجعلت لا ينزل منزلاً إلا أنا على بابه، ومعي ابني جعفر قائم، فلا يراني إلا أَعْرَضَ عني [فخرجت] على هذه الحال، حتى شهدت معه فتح مكة وأنا في خيله التي تلازمه حتى هبط من أذَاخِرَ، حتى نزل الأَبْطَح، فنظر إليَّ نظراً هو ألين من ذلك النظر قد رجوتُ أن يتبسم، ودخل عليه نساء بني

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير