عبدالمطلب، ودَخَلَتْ معهن زوجتي، فرَقَّقَتْهُ عليَّ، وخرج/ إلى المسجد وأنا بين يديه لا أفارقه على حال، حتى خرج إلى هوازن فخرجت معه"، وذكر قصته بهوازن، وهي مشهورة.
قال الواقدي: "وقد سمعت في إسلام أبي سفيان بن الحارث بوجه آخر، قال: لقيت رسول الله e [ بِنْيقِ] العُقاب"، وذكر الحديث نحواً مما ذكره ابن إسحاق. قال ابن إسحاق: "وكان أبو سفيان بن الحارث، و عبدالله بن أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله e [ بِنْيقِ] العُقَاب فيما بين مكة والمدينة، فلتمسا الدخول عليه، فكلَّمَتْه أم سلمة فيهما، فقال: يا رسول الله ابن عمك وابن عمتك وصهرك، فقال: "لا حَاجَةَ لِي بِهِمَا، أَمَّا ابنُ عَمَّي فَهَتَكَ عِرْضِي، وَأَمَّا ابنُ عَمَّتِي وَصِهْرِي فَهُوَ الَّذِي قَالَ لِي بِمَكَّةَ مَا قَالَ".
[قال]: فلما خرج الخبر إليهما بذلك ـ ومع أبي سفيان بن الحارث ابن له ـ فقال: والله ليأذنن لي رسول الله e أو لآخذن بيد ابني هذا ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشاً أو جوعاً، فلما بلغ ذلك رسول الله e رَقَّ لهما، فدخلا عليه، فأنشده أبو سفيان قوله في إسلامه واعتذاره مما كان مضى منه، فقال:
لَعَمْرُكَ إِنِّي يَوْمَ أحْمِلُ رَايَةً لِتَغْلِبَ خَيْلُ الَّلاتِ خَيْلَ مُحَمَّدِ
لَكَالْمُدْلجِ الحَيْرَانِ أَظْلَمَ لَيْلُهُ فَهَذَا أَوَانِي حِيْنَ أُهْدَى فَأَهْتَدِي
هَدَانِي هَادٍ غَيْرُ نَفْسِي، وَدَلَّنِي عَلَى اللهِ مَنْ طَرَّدْتُ كُلَّ مُطَرَّدِ
وذكر باقي الأبيات.
وفي رواية الواقدي قال: فطلبا الدخول على رسول الله e، فأبى أن يُدخلهما عليه، فكلمته أم سلمة زوجته، فقالت: يا رسول الله صهرك وابن عمتك وابن عمك وأخوك من الرضاعة، وقد جاء الله بهما مسلمَين، لا يكونا أشقى الناس بك، فقال رسول الله e: " لا حَاجَةَ لِي بِهِما، أمَّا أَخُوك فالقَائِل لِي بِمَكَّةَ مَا قَالَ: لَن يُؤمن لِي حَتَّى أَرْقَى فِي السَّمَاءِ" ... فقالت: يا رسول الله إنما هو من قومك، وكل قريش قد تكلم، ونزل القرآن فيه بعينه، وقد/ عفوتَ عمن هو أعظم جرماً منه، و ابن عمك، قرابتك به قريبة، وأنت أحق الناس عفا عنه جرمه، فقال رسول الله e: " هُوَ الَّذِي هَتَكَ عِرْضي؛ فلا حَاجَةَ لِي بِهِما" فلما خرج إليهما الخبر قال أبو سفيان بن الحارث ومعه ابنه: والله ليقبلن مني أو لآخذن بيد ابني هذا فلأذهبن في الأرض حتى أهلك عطشاً وجوعاً، وأنت أحلم الناس وأكرم الناس، مع رَحِمي بك، فبلغ رسول الله e مقالتُه، فرقَّ له، وقال عبدالله بن أبي أمية: إنما جئت لأصَدِّقك، ولي من القرابة مالي والصِّهْر بك، وجعلت أم سلمة تكلمه فيهما، فرَّق رسول الله e لهما، فأذن لهما، ودخلا فأسلما، وكانا جميعاً حَسَنَي الإسلام.
قُتِلَ عبدالله بن أبي أمية بالطائف، ومات أبو سفيان بن الحارث بالمدينة في خلافة عمر رضي الله عنه، لم يغمص عليه في شيء، ولقد كان رسول الله e أهدر دمه قبل أن يلقاه.
وجه دلالة قصة أبي سفيان
فوجه الدلالة: أنه ندر دم أبي سفيان بن الحارث دون غيره من صناديد المشركين الذين كانوا أشد تأثيراً في الجهاد باليد والمال، وهو قادم إلى مكة لا يريد أن يَسْفِك دماء أهلها، بل يستعطفهم على الإسلام، ولم يكن لذلك سببٌ يختص بأبي سفيان إلا الهجاء، ثم جاء مسلماً وهو يَعْرِض عنه هذا الإعراض وكان من شانه أن يتألف الأباعد على الإسلام، فكيف بعشيرته الأقربين؟ كل ذلك بسبب هتكه عرضه كما هو مفسر في الحديث.
قصة الحويرث بن نقيد
ومن ذلك أنه أمر يوم الفتح بقتل الحويرث بن نُقَيد، وهو معروف عند أهل السير، قال موسى بن عقبة في مغازيه عن الزهري ـ وهي من أصح المغازي؛ كان مالك يقول: "من أحب أن يكتب المغازي فعليه بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة" ـ قال: وأمرهم رسول الله e أن يكفوا أيديهم فلا يقاتلوا أحداً إلا من قاتلهم، وأمرهم بقتل أربعة نفر منهم: الحويرث بن نُقَيد.
وقال سعيد بن يحيى الأموي في مغازيه: حدثني أبي، قال: وقال/ ابن إسحاق: وكان رسول الله e عهد إلى المسلمين في قتل نفرٍ ونسوة، وقال "إِنْ وَجَدتُّموهُمْ تَحْتَ أَسْتَارِ الكَعْبَةِ فَاقْتُلُوهُمْ"، وسماهم بأسمائهم ستة، وهم: عبدالله بن سعد بن أبي سرح، و عبد الله بن خطل، و الحويرث بن نُقَيد، و مِقْيَسُ بن صبابة، ورجل من بني تيم بن غالب.
¥