قال ابن إسحاق: وحدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر أنهم كانوا ستة، فكتم اسم رجلين وأخبرني بأربعة، وزعم أن عكرمة بن أبي جهل أحدهم.
قال: وأما الحويرث بن نقيد فقتله علي بن أبي طالب، وكذلك ذكر ابن إسحاق في رواية ابن بكير وغيره عنه من النفر الذين استثناهم النبي e وقال: "اقْتُلُوهُم وَ إِن وَجَدتُّمُوهُم تَحْتَ أَسْتارِ الكَعْبةِ": الحويرث بن نقيد، وكان ممن يؤذي رسول الله e.
قال الواقدي عن أشياخه: أن النبي e نهى عن القتال، و أمر بقتل ستة نفر وأربع نسوة: عكرمة بن أبي جهل، و [هَبَّار] بن الأسود، وابن أبي سرح، ومقيس بن صبابة، و الحويرث بن نقيد، وابن خطل ...
قال: وأما الحويرث بن نقيد فإنه كان يؤذي النبي e، فأهدر دمه، فبينا هو في منزله يوم الفتح قد أُغلق عليه، و أقبل علي رضي الله عنه يسأل عنه، فقيل: هو في البادية، فأُخبر الحويرث أنه يُطْلَب، وتنحَّى عَلِيّ عن بابه، فخرج الحويرث يريد أن يهرب من بيتٍ إلى بيتٍ آخر، فتلقاه علي فضرب عنقه.
ومثل هذا مما يشتهر عند هؤلاء مثل الزهري وابن عقبة وابن إسحاق والواقدي والأموي وغيرهم، أكثر ما فيه أنه مرسل، والمرسل إذا رُوِيَ من جهاتٍ مختلفة لا سيما ممن له عناية بهذا الأمر [وتتبع] له كان كالمسند، بل بعض ما يشتهر عند أهل المغازي ويستفيض أقوى مما يروى بالإسناد الواحد، ولا يوهنه انه لم يُذكر في الحديث المأثور عن سعد وعَمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، لأن المثْبِت مُقدَّم على النافي، ومَن أخبر أنه أمر بقتله فمعه زيادةُ علم، ولعل النبي e لم يأمر بقتله ثم أمر بقتله، وذلك أنه يمكن أن النبي e نهى أصحابه أن يقاتلوا إلا من قاتلهم إلاَّ النفر الأربعة، ثم أمرهم أن يقتلوا هذا وغيره، ومجرد نهيه/ عن القتال لا يوجب عصمة المكفوف عنهم، لكنه بعد ذلك آمَنَهم الأمان العاصم للدم، وهذا الرجل قد أمر النبي e بقتله لمجرد أذاه له مع أنه قد آمن أهل البلد الذين قاتلوه وأصحابه وفعلوا بهم الأفاعيل.
قصة قتل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط
ومن ذلك أنه e لما قَفَلَ من بدرٍ راجعاً إلى المدينة قتل النَّضْر بن الحارث وعُقْبَة بن أبي مُعْيطٍ، ولم يقتل من أُسَارَى بدر غيرهما، وقصتهما معروفة.
قال ابن إسحاق: وكان في الأسرى عُقْبَةُ بن أبي مُعَيطٍ و النَّضْر بن الحارث فلما كان رسول الله e بالصَّفْراء قَتَلَ النَّضْر بن الحارث، قتله علي بن أبي طالب كما خُبِّرْتُ، ثم مضى رسول الله e، فلما كان بِعرْقِ [الظَّبْيَة] قُتل عقبة بن أبي معيط، قتله عاصم بن ثابت.
قال موسى بن عقبة عن الزهري: ولم يقتل من الأسارى صبراً غير عقبة بن أبي مُعَيْط، قتله عاصم بن ثابت ابن أبي الأقلح، ولما أبصره عُقْبة مقبلاً إليه استغاث بقريش، فقال: يا معشر قريش عَلامَ أُقْتَلُ من بين مَن هاهنا؟ فقال رسول الله e: " على عَدَاوَتِكَ لله وَرَسُوله"، وكذلك ذكر محمد بن عائذ في مغازيه.
وهذا والله أعلم لأن النضر قُتل بالصفراء عند بَدْر، فلم يُعَد من الأَسْرى عند هذا القائل، لقتله قريباً من مصارع قريش، وإلا فلا خلاف علمناه أن النضر وعقبة قد قُتِلا بعد الأَسْرِ.
وقد روى البزار عن ابن عباس أن عُقْبة بن أبي مُعَيْط نادى: يا مَعْشَر قريشٍ مالي أٌقتل من بينكم صَبْراً؟ فقال له النبي e: " بِكفْرْك وَافْتِرَائِكَ على رَسُول الله".
وقال الواقدي: كان النضر بن الحارث أسرهُ المِقْدَادُ بن الأسود، فلما خرج رسول الله e من بدر فكان بالأُثَيّلِ عُرِض عليه الأسْرَى، فنظر إلى النضر بن الحارث فأبده البصر، فقال لرجل إلى جنبه: محمدٌ والله قاتِلي، لقد نظر إلىَّ بعينين فيهما الموت، فقال الذي إلى جنبه: "والله ما هذا منك إلا رعب" فقال النضر لمصعب بن عمير: يا مصعب أنت أقرب مَن هاهنا بي رحماً، كلم صاحبك أن يجعلني كرجل من أصحابي،/ هو والله قاتلي إن لم تفعل، قال مصعب: إنَّك كنت تقول في كتاب الله: كذا وكذا، و تقول في نبيه: كذا وكذا، قال: يا مصعب يجعلني كأحد أصحابي؛ إن قُتلوا قُتلت، وإن مَنَّ عليهم مَنَّ علي، قال مصعب: إنك كنت تُعذِّب أصحابه ـ وذكر الحديث إلى أن قال: ـ فقتله عَلِيُّ بن أبي طالب صبراً بالسيف.
¥