ويكفي في ذلك أن الله سبحانه قال:) لِلفُقَرَاء ِالمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَ أَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَاناً (وقال:) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ (إلى قوله:) الّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِم بِغَيْرِ حَقٍ (، وقال:) وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وكُفْرٌ بِهِ والمَسْجِدِ الحَرَامِ وإخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ (وقال:) إنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّيْنِ وأَخْرَجُوكُم مِنْ دِيَارِكُمْ وظَاهَروا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ (.
فبين سبحانه أن المسلمين أُخرجوا من ديارهم و أموالهم بغير حق، حتى صاروا فقراء بعد أن كانوا أغنياء.
ثم أن المشركين استولوا على تلك الديار والأموال، وكانت باقيةً إلى حين الفتح، وقد أسلم من استولى عليها في الجاهلية، ثم لم يردَّ النبي e على أحدٍ منهم أخرج من داره بعد الفتح والإسلام داراً ولا مالاً، فإن قيل للنبي e يوم الفتح: ألا تنزل في دارك؟ فقال: "وهل ترك لنا عقيل من دار؟ ".
وسأله المهاجرون أن يردَّ عليهم أموالهم التي استولى عليها أهل مكة، فأبى ذلك e، وأقرها بيد من استولى عليها بعد إسلامه.
فعل عقيل ابن أبي طالب بدور النبي وأقاربه
وذلك أن عقيل بن أبي طالب بعد الهجرة استولى/ على دار النبي e ودور إخوته من الرجال والنساء، مع ما ورثه من أبيه أبي طالب.
قال أبو رافع: قيل للنبي e: ألا تنزل منزلك من الشِّعْب؟ قال: "فهل ترك لنا عقيل منزلاً؟ "، وكان عقيل قد باع منزل رسول الله e ومنزل إخوته من الرجال والنساء بمكة.
وقد ذكر أهل العلم بالسيرة ـ منهم أبو الوليد الأزْرَقي ـ أن رِبَاع عبدالمطلب بمكة صارت لبني عبدالمطلب. فمنها: "الشعب؛ شعب ابن يوسف، وبعض دار ابن يوسف لأبي طالب، (والحق الذي بينه) وبعض دار ابن يوسف دار المولد مولد النبي e، وما حوله لأبي النبي e عبدالله بن عبدالمطلب".
ولا ريب أن النبي e كانت له هذه الدار، ورثها من أبيه، وبها ولد، وكان له دار ورثها هو وولده من خديجة رضي الله عنها.
قال الأزرقي: "فسكت النبي e عن مسكنيه [كليهما] مسكنه الذي ولد فيه، و مسكنه الذي ابتنى فيه [بـ]ـخديجة بنت خويلد ووُلِد فيه وَلدُه جميعاً".
قال: "وكان عقيل بن أبي طالب أخذ مسكنه الذي ولد فيه، وأما بيت خديجة فأخذه معتب بن أبي لهب، وكان أقرب الناس إليه جواراً، فباعه بعدُ من معاوية".
وقد شرح أهل السيرة ما ذكرنا في دور المهاجرين.
قال الأزرقي: "دار جحش بن رئاب الأسدي التي بالمعلى لم تزل في يد ولد جحش فلما آذن الله لنبيه e وأصحابه في الهجرة إلى المدينة خرج آل جحش جميعاً الرجال والنساء إلى المدينة مهاجرين، وتركوا دارهم خاليةً، وهم حلفاء حرب بن أمية، فعمد أبو سفيان إلى دارهم هذه فباعها بأربع مائة دينار من عمرو بن علقمة العامري، فلما بلغ آل جحش أن أبا سفيان باع دارهم، أنشأ أبو أحمد يهجو أبا سفيان و يعيره ببيعها"، وذكر أبياتاً.
"فلما كان يوم فتح مكة أتى أبو أحمد بن جحش وقد ذهب بصره إلى رسول الله e فكلمه فيها، فقال: يا رسول الله إن أبا سفيان عمد إلى داري فباعها، فدعاه النبي رسول الله e فكلمه فيها فسارَّه بشيء،/ فما سُمع أبو أحمد بعد ذلك ذَكَرَها، فقيل لأبي أحمد بعد ذلك: ما قال لك رسول الله e؟ قال: قال لي: "إِنْ صَبَرتَ كَانَ خَيْراً، وَكَانَ لَكَ بِهَا دَارٌ فِي الجَنَّةِ" قال: قلت: فأنا أصبر، فتركها أبو أحمد".
دار عتبة بن غزوان
قال: "وكان لعتبة بن غزوان دار تسمى ذات الوجهين، فلما هاجر أخذها يَعْلى بن أمية، وكان استوصاه بها حين هاجر، فلما كان عام الفتح وكلم بنو جحش رسول الله e في دارهم، فكره أن يرجعوا في شيء من أموالهم، أُخذ منهم في الله تعالى، وهجروه لله.
أمسك عتبة بن غزوان عن كلام رسول الله e في داره هذه ذات الوجهين، وسكت المهاجرون، فلم يتكلم أحد منهم في دار هجرها لله ورسوله، وسكت رسول الله e عن مسكنه الذي وُلد فيه، ومسكنه الذي ابتنى فيه بخديجة" وهذه القصة معروفة عند أهل العلم.
¥