تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال محمد بن إسحاق: "حدثني عبدالله بن أبي بكر بن حزم والزبير ابن عكاشة بن أبي أحمد قالا: أبطأ رسول الله e يوم الفتح عليهم في دورهم، فقالوا لأبي أحمد: يا أبا أحمد إن رسول الله e يكره لكم أن ترجعوا في شيء مِن أموالكم مما أصيب في الله".

وقال ابن إسحاق أيضاً في رواية زياد بن عبدالله البَكَّائي عنه: "وتلاحق المهاجرون إلى رسول الله e، فلم يبق أحد منهم بمكة إلا مفتون أو محبوس، ولم يُوعِب أهل هجرة من مكة بأهليهم وأموالهم إلى الله وإلى رسوله إلا أهل دورٍ مُسَمَّوْن: بنو مَظْعُون من بني جُمَح، وبنو جحش بن رئاب حلفاء بني أمية، وبنو البكير من بني سعد بن ليث حلفاء عدي بن كعب، فإن دورهم غلقت بمكة ليس فيها ساكن.

ولما خرج بنو جحش بن رئاب من دارهم عَدَا عليها أبو سفيان بن حرب فباعها من عمرو بن عَلْقَمَة أخي بني عامر بن لؤي، فلما بلغ بني جحش ما صنع أبو سفيان بدراهم ذكر ذلك عبدالله بن جحش لرسول الله e، فقال رسول الله e: " أَلاَ تَرْضَى يَا عَبْدَاللهِ أَنْ يُعْطِيَكَ/ اللهُ بِهَا دَاراً خَيْراً مِنْهَا فِي الجَنَّة؟ " فقال: بلى، فقال: "ذَلِكَ لَكَ"، فلما افتتح رسول الله e مكة كلمه أبو أحمد في دراهم، فأبطأ عليه رسول الله e، فقال الناس لأبي أحمد: يا أحمد إن رسول الله e يكره أن ترجعوا في شيء من أموالكم أصيب منكم في الله، فأمسك عن كلام رسول الله e.

قال الواقدي عن أشياخه قالوا: "وقام أبو أحمد بن جحش على باب المسجد على جملٍ له حين فَرَغ النبي e من خطبته ـ يعني الخطبة التي خطبها وهو واقف بباب الكعبة حين دخل الكعبة فصلى فيها ثم خرج يوم الفتح فقال أبو أحمد: ـ وهو يصيح: أنشد بالله يا بني عبد مناف حلفي، أنشد بالله يا بني عبد مناف داري، قال: فدعا رسول الله e عثمان بن عفان فسارَّ عثمان بشيء، فذهب عثمان إلى أبي أحمد فسارَّه، فنزل أبو أحمد عن بعيره، وجلس مع القوم، فما سُمع أبو أحمد ذكرها حتى لقي الله".

أقر النبي ديار المهاجرين بيد الذين استولوا عليها

فهذا نص في أن المهاجرين طلبوا استرجاع ديارهم، فمنعهم رسول الله e، وأقرَّها بيد من استولى عليها، ومن اشتراها منه، وجعل e ما أخذه منهم الكفار بمنزلة ما أصيب من دمائهم وما أنفقوه من أموالهم، وتلك دماء وأموال اشتراها الله وسُلمت إليه، ووجب أجرها على الله، فلا رجعة فيها، وذلك لأن المشركين يستحلون دماءنا وأموالنا، وأصابوا ذلك كله استحلالاً، وهم آثمون في هذا الاستحلال، فإذا أسلموا جَبَّ الإسلام ذلك الإثم، وصاروا كأنهم ما أصابوا دماً ولا مالاً، فما بأيديهم لا يجوز انتزاعه منهم.

كيف انتقلت دور النبي إلى عقيل؟

فإن قيل: في "الصحيحين" عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة [بن زيد] رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله أتنزل بمكة؟ قال: "وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيْلٌ مِن رِبَاعٍ أو دُورٍ؟ "، وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب، ولم يرث جعفر ولا علي شيئاً؛ لأنهما كانا مسلمين، وكان عقيل وطالب كافرين وفي/ رواية للبخاري أنه قال: يا رسول الله أين تنزل غداً؟ ـ وذلك زمن الفتح ـ فقال: "وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيْلٌ مِن مَنْزِل؟ " ثم قال: "لاَ يَرِثُ الكَافِرُ المُؤْمِنَ، وَلاَ المُؤْمِنُ الكَافِرَ" قيل للزهري: ومن ورث أبا طالب؟ قال: ورثه عقيل وطالب، وفي رواية معمر عن الزهري: أين تنزل غداً؟ ـ في حجته ـ رواه البخاري.

وظاهر هذا أن الدور انتقلت إلى عقيل بطريق الإرث، لا بطريق الاستيلاء، ثم باعها.

قلنا أما دار النبي e التي ورثها من أبيه، وداره التي هي له ولولده من زوجته المؤمنة خديجة، فلا حق لعقيل فيها؛ فعلم أنه استولى عليها، وأما دور أبي طالب فإن أبا طالب توفي قبل الهجرة بسنين، والمواريث لم تفرض، ولم يكن نزل بعد منع المسلم من ميراث الكافر، بل كان من مات بمكة من المشركين أُعطي أولاده المسلمون نصيبهم من الإرث كغيرهم (بل كان المشركون ينكحون المؤمنات الذي هو أعظم من الإرث)، وإنما قطع الله الموالاة بين المسلمين والكافرين بمنع النكاح والإرث وغير ذلك بالمدينة، وشرع الجهاد القاطع للعصمة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير