تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال ابن إسحاق: حدثني ابن أبي نجيح قال: لما قَدِمَ رسول الله e مكة نظر إلى تلك الرِّبَاع، فما أدرك منها قد اقتسم على أمر الجاهلية تركه لم يحركه، وما وجده لم يقسم قسَمَه على قِسمة الإسلام.

وهذا الذي رواه ابن أبي نجيح يوافق الأحاديث المُسْنَدَة في ذلك، مثل حديث ابن عباس، قال: قال رسول الله e: " كُلُّ قسْمٍ قُسِمَ فِي الجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلَى مَا قُسِمَ، وَكُلّ قسْمٍ أَدْرَكَه الإِسْلاَمُ فَإِنَّهُ عَلَى مَا قَسَمَ الإِسْلاَمُ" رواه أبو داود وابن ماجه.

وهذا أيضاً يوافق ما دلَّ عليه كتابُ الله، و لا نعلم فيه خلافاً؛ فإن الحربيَّ لو عقد عقداً فاسداً من رِباً أَو بيع خمر أو خنزير أو نحو ذلك ثم أسلم بعد قَبْضِ العوض لم يحرم ما بيده، ولم يجب عليه رَدُّه، ولو لم يكن قَبَضَه لم يجز له أن يقبض منه إلا ما يجوز للمسلم كما دلَّ عليه قوله تعالى:) اتّقُوا/ الله َ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنّ كُنْتُم مُؤمِنِينَ (، فأمرهم بترك ما بقي في ذمم الناس، ولم يأمرهم برد ما قبضوه.

وكذلك وَضَع النبي e لما خطب الناس كل دم أصيب في الجاهلية، وكل رباً في الجاهلية، حتى ربا العباس، ولم يأمر برد ما كان قُبِض، فكذلك الميراث: إذا مات الميت في الجاهلية واقتسموا تركته أمضيت القسمة، فإن أسلموا قبل الاقتسام أو تحاكموا إلينا قبل القسمة قُسِمَ على قَسْم الإسلام، فلما مات أبو طالب كان الحكم بينهم أن يرثه جميع ولده، فلم يقتسموا رِبَاعه حتى هاجر جعفر وعلي إلى المدينة، فاستولى عقيل عليها وبَاعَها، فقال النبي e: " لمْ يَتْرُكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلاً إِلاَّ اسْتَولَى عَلَيْهِ وَ بَاعَهُ" فكان معنى هذا الكلام أنه استولى على دور كنا نستحقها إذ ذاك، ولولا ذلك لم تضف الدور إليه و إلى بني عمه إذا لم يكن لهم فيها حق، ثم قال بعد ذلك: "لاَ يَرِثُ المُؤْمِنُ الكَافِرَ، وَلاَ الكَافِرُ المُؤْمِنَ" يريد والله أعلم لو أن الرِّبَاع باقيةٌ بيده إلى الآن لم تقسم لكنا نعطي رباع أبي طالب كلها له دون إخوته؛ لأنه ميراث لم يقسم، فيقسم الآن على قَسْم الإسلام، (ومِن قَسم الإسلام) أن لا يرث المسلم الكافر، فكان نزول هذا الحكم بعد موت أبي طالب، وقبل قسمة تركته بمنزلة نزوله قبل موته، فبين النبي e أن علياً وجعفراً ليس لهما المطالبة بشيء من ميراث أبي طالب لو كان باقياً فكيف إذا أخذ منه في سبيل الله؟ فإذا كان المشرك الحربي لا يُطالَب بعد إسلامه بما كان أصابه من دماء المسلمين وأموالهم وحقوق الله، ولا يُنتزع ما بيده من أموالهم التي غنمها منهم لم يؤاخذ أيضاً بما أسلفه من سب و غيره؛ فهذا وجه العفو عن هؤلاء.

سنة الرسول تحتم قتل الساب

وهذا الذي ذكرناه من سنة رسول الله e في تحتم قتل مَنْ كان يسبه من المشركين مع العفو عَمْن هو مثله في الكفر كان مستقراً في نفوس/ أصحابه على عهده وبعد عهده، يقصدون قتل السابِّ، و يحرضون عليه، وإن أمسكوا عن غيره، ويجعلون ذلك هو الموجب لقتله، ويبذلون في ذلك نفوسهم، كما تقدم من حديث الذي قال: سُبَّني وسُب أبي وأمي وكُفَّ عن رسول الله e، ثم حمل عليه حتى قتل، وحديث الذي قتل أباه لما سمعه يسبُّ النبي e، وحديث الأنصاريِّ الذي نَذَرَ أن يقتل العَصْماءَ فَقَتَلَهَا، وحديث الذي نذر أن يقتل ابن أبي سرح وكَفَّ النبي e عن مبايعته ليوفي بنذره.

مقتل أبي جهل يوم بدر

و في "الصحيحين" عن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: إني لواقفٌ في الصفِّ يوم بدرٍ، فنظرت عن يميني وعن شمالي، فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثةٍ أسنانُهما، فَتَمَنَّيت أن أكون بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما، فقال: أي عم، هل تعرف أبا جهل؟ قلت: نعم، فما حاجتك إليه يا ابن أخي؟ قال: أُخبرت أنه يسبُّ رسول الله e، والذي نفسي بيده لئن رايته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت العجل مِنّا، قال: فتعجبتُ لذلك، قال: وغمزني الآخر فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرتُ إلى أبي جهل يجول في الناس، فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه، قال: فابتدراه بسيفيهما، فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله e فأخبراه، فقال: "أَيُّكُمَا قَتَلَه؟ " فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال: "هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟ " فقالا: لا، فنظر رسول الله e إلى السيفين،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير