تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأيضاً، فإن القوم لم يتعرضوا لرسول الله e، بل كانوا يعظِّمونه ويعظمون أبا بكر وعمر، ولكن غَلَوْا في الدين غُلُوّاً جاوزُا به حَدَّه لنقص عقولهم وعلمهم، فصاروا كما تأوَّله عليٌّ فيهم من قوله عز وجل:) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بالأخْسَرِيْنَ أعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاة الدُّنْيَا وَهُم يَحْسَبُونَ أنَّهمْ يُحْسِنُون صُنْعاً (.

وأوجب ذلك لهم عقائد فاسدة ترتَّبَ عليها أفعال منكرة كَفّرهم بها كثير من الأمة، وتوقف فيها آخرون، فلما رأى النبي e الرجُلَ الطاعن عليه في القسمة الناسب له عدم العدل بجهله وغُلُوِّه [وظنه] أن العدل [هو] ما يعتقده من التسوية بين جميع الناس، دون النظر إلى ما في تخصيص بعض/ الناس وتفضيله من مصلحة التأليف وغيرها من المصالح، علم أن هذا أول أولئك، فإنه إذا طعن عليه في وجهه فهو على سنته بعد موته وعلى خُلَفائه أشدَّ طعناً.

بعض مقالات الخوارج

وقد حكى أربابُ المقالات عن الخوارج أنهم يُجَوِّزُون على الأنبياء الكبائر، ولهذا لا يلتفتون إلى السنة المخالفة في رأيهم لظاهر القرآن وإن كانت متواترة، فلا يَرْجُمون الزاني، ويقطعون يد السارق فيما قلّ أو كثر، زَعماً [منهم] على ما قيل: أن لا حُجَّة إلا القرآن، وأن السنة الصادرة عن الرسول e ليست حجة، بناء على ذلك الأصل الفاسد.

قال من حكى ذلك عنهم: إنهم لا يطعنون في النقل لتواتر ذلك، وإنما يبنونه على هذا الأصل، ولهذا قال النبي e في صفتهم: "إنَّهُمْ يَقْرَؤون القرآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهم" يتأوَّلُونه بِرَأيِهمْ من غير استدلال على معانيه بالسنة، وهم لا يفهمونه بقلوبهم، إنما يتلونه بألسنتهم، والتحقيق أنهم أصناف مختلفة؛ فهذا رأي طائفةٍ منهم، وطائفة قد يكذبون النَّقلة، وطائفة لم يسمعوا ذلك ولم يطلبوا علمه، وطائفة يزعمون أن ما ليس له ذكر في القرآن بصريحهِ ليس حجة على الخلق: إما لكونه منسوخاً، أو مخصوصاً بالرسول، أو غير ذلك، وكذلك ما ذكر من تجويزهم الكبائر، فأظنه ـ والله أعلم ـ قول طائفةٍ منهم، وعلى كل حال فمن كان يعتقد أن النبي e جائر في قسمه يقول: إنه يفعلها بأمر الله فهو مكذب له، ومن زعم أن يجورُ في حكمه أو قسمه فقد زعم أنه خائن، وأن اتِّباعه لا يجب، وهو مناقض لما تضمنته الرسالة من أمانته، ووجوب طاعته، وزوال الحرج عن النفس من قضائه بقوله وفعله، فإنه قد بلّغ عن الله أنه أوْجَب طاعته والانقياد لحكمه، ولأنه لا يحيفُ على أحدٍ؛ فمن طعن في هذا فقد طعن في صحة تبليغه، وذلك طعنٌ في نفس الرسالة، وبهذا يتبين صحة رواية من روى الحديث "وَمَنْ يَعْدل إذَا لَمْ أعْدِلْ؟ لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إن لم أكُنْ أعْدِل" لأن هذا الطاعن يقول: إنه رسولُ الله، وإنه يجب عليه تصديقُه وطاعته، فإذا قال: إنه لم يعدل [فقد] لزم أنه صَدَّق غير عدل ولا أمين، ومن اتبع مثل ذلك/ فهو خائب خاسر، كما وصفهم [الله تعالى بـ]ـأنهم من الأخسرين أعمالاً و إن حسبوا أنهم يحسنون صنعاً؛ ولأنه من لم يؤتمن على المال لم يؤتمن على ما هو أعظم منه؛ ولهذا قال e: " ألاَ تَأمَنُوني وَأنَا أمِينُ مَن في السَّماءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّماءِ صَبَاحاً وَمَساءً"، وقال e لما قال له اتَّق الله: "أوَ لَسْتُ أحَقَّ أهْلِ الأرضِ أن يَتَّقِيَ الله" وذلك لأن الله قال فيما بلغه إليهم الرسول:) وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عنهُ فَانتَهُوا (بعد قوله:) مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِن أهْلِ القُرَى فَللّهِ ولِلرَّسُولِ (الآية، فبين سبحانه أن ما نهى عنه من مال الفيء فعلينا أن ننتهي عنه، فيجب أن يكون أحقَّ أهل الأرض أن يتقي الله؛ إذ لولا ذلك لكانت الطاعة له ولغيره إن تساويا أو لغيره دونه إن كان دونه، وهذا كفر بما جاء به، وهذا ظاهر.

وقوله e: " شَرُّ الخَلْقِ وَالخَلِيْقَةِ" وقوله: "شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ" نصٌّ في أنهم من المنافقين؛ لأن المنافقين أسوأ حالاً من الكفار، كما ذكر أن قوله تعالى:) وَمِنهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ (نزلت فيهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير