تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهذا يبين أن من وُجِد منهم جَوَّز أن يكون القِسْم وقع باجتهاد في المصلحة، فأحبَّ أن يعلم الوجه الذي أُعطي به غيره ومُنع هو مع فضله على غيره في الإيمان و الجهاد وغير ذلك.

وهذا في بادي الرأي هو الموجب للعطاء، وأن النبي e لم يعطه كما أعطى غيره، وهذا معنى قولهم "استعتبناه" أي: طلبنا منه أن يُعْتِبنَا أي: يُزيل عَتْبَنا؛ إما ببيان الوجه الذي به أعطى غيرنا، أو بإعطائنا، وقد قال e: " مَا أَحَدٌ أَحَبّ إِلَيْهِ العُذْر مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثََ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ" فأحبَّ النبي e أن يعذره فيما فعل، فبيَّن لهم ذلك، فلما بيَّن لهم الأمر بكوا حتى أَخْضَلُوا لحاهم، ورضوا حق الرضا، والكلام المحكيُّ عنهم يدل على أنهم رأوا القسمة وقعت اجتهاداً، وأنهم أحق بالمال من غيرهم، فتعجبوا من إعطاء غيرهم، وأرادوا أن يعلموا هل هو وحي؟ أو اجتهاد يتعين اتباعه لأنه المصلحة؟ أو اجتهاد يمكن النبي e أن يأخذ بغيره إذا رأى أنه أصلح؟ وإن كان هذا القسم إنما يمكن فيما لم يستقر أمره، ويقره عليه ربه، ولهذا قالوا: يغفر الله لرسول الله، يعطي قريشاً ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم!! وقالوا: إن هذا لهو العجب، إن سيوفنا لتقطر من دمائهم، وإن غنائمنا لترد عليهم وفي رواية: إذا كانت الشدة فنحن ندعى، ويعطى الغنائم غيرنا.

هل كانت العطايا من المغنم أم من الخمس؟

و اختلف الناس في العطايا: هل كانت من أصل الغنيمة أو من الخمس؟ فروي عن سعد بن إبراهيم ويعقوب بن عتبة قالا: كانت العطايا فارغةً من الغنائم، وعلى هذا فالنبي e إنما أخذ نصيبهم من المغنم بطيب أنفسهم.

وقد/ قيل: إنه أراد أن يقطعهم بدل ذلك قطائع من البحرين، فقالوا: لا، حتى يقطع إخواننا من المهاجرين مثله، ولهذا لما جاء مالُ البحرين وافَوْه صلاة الفجر، وقال لجابر: "لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ البَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُكَ كَذَا وَكَذَا"، لكن لم يستأذنهم النبي e قبل القَسْم لعلمه بأنهم يرضون بما يفعل، وإذا علم الرجل من حال صديقه أنه تطيب نفسه بما يأخذ من ماله فله أن يأخذ وإن لم يستأذنه نطقاً، وكان هذا معروفاً بين كثير من الصحابة والتابعين، كالرجل الذي سأل النبي e كُبَّةً من شَعْر فقال: "أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي هَاشِم فَهُوَ لَكَ"؛ وعلى هذا فلا حرج عليهم إذا سألوا نصيبهم.

و قال موسى بن إبراهيم بن عقبة عن أبيه: كانت من الخمس.

كيفية قسم خمس الغنائم

قال الواقدي: وهو أثبت القولين، وعلى هذا فالخمس إما أن يَقْسمه الإمام باجتهاده، كما يقوله مالك، أو يقسمه خمسة أقسام، كما يقوله الشافعي وأحمد، وإذا قسمه خمسة أقسام فإذا لم يوجد يتامى أو مساكين أو ابن سبيل أو استغنى رُدَّت أنصباؤهم في مصارف سهم الرسول.

وقد كان اليتامى والمساكين وأبناء السبيل إذ ذاك مع قلتهم مستغنين بنصيبهم من الزكاة؛ لأنه لما فتحت خيبر، استغنى أكثر المسلمين، رَدَّ رسول الله e على الأنصار منائح النخيل التي كانوا قد منحوها للمهاجرين، فاجتمع للأنصار أموالهم التي كانت، والأموال التي غنموها بخيبر وغيرها فصاروا مياسير، ولهذا قال النبي e في خطبته: "أَلَمْ أَجِدْكُم عَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللهُ بِي؟ " فصرف رسول الله e عامة الخمس في مصارف سهم الرسول؛ فإن أولى المصالح وأهم المصالح تأليف أولئك القوم، ومن زعم أن مجرد خمس الخمس قام بجميع ما أعطى المؤلفة فإنه لم يدر كيف القصة، ومن له خبرةٌ بالقصة يعلم أن المال لم يكن يحتمل هذا.

وقد قيل: إن الإبل كانت أربعة/ وعشرين ألف بعير، والغنم أربعين ألفاً أو أقل أو أكثر، والوَرِق أربعة آلاف أوقية، والغنم كانت تعدل عشرة منها ببعير، فهذا يكون قريباً من ثلاثين ألف بعير، فخمس الخمس منه ألف ومائتا بعير، وقد قسم في المؤلفة أضعاف ذلك، على ما لا خلاف فيه بين أهل العلم.

وأما قول بعض قريش والأنصار في الذهيبة التي بعث بها علي من اليمن: أيعطي صناديد أهل نجد ويَدَعُنا؟ فمن هذا الباب أيضاً، إنما سألوا على هذا الوجه.

وهنا جوابان آخران:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير