تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أحدهما: أن بعض أولئك القائلين قد كان منافقاً يجوز قتله، مثل الذي سمعه ابن مسعود يقول في غنائم حنين: إن هذه لقسمة ما أُريد بها وجه الله، وكان في ضمن قريش والأنصار منافقون كثيرون، فما ذكر من كلمة لا مَخْرج لها، فإنما خرجت من منافق، والرجل الذي ذَكر عنه أبو سعيد أنه قال: "كنا أحق بهذا من هؤلاء" ولم يسمِّه منافقاً، والله أعلم.

الجواب الثاني: أن الاعتراض قد يكون ذنباً ومعصيةً يخاف على صاحبه النفاق وإن لم يكن نفاقاً، مثل قوله تعالى:) يُجَادِلُونَكَ فِي الحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ (، ومثل مراجعتهم له في فسخ الحج إلى العمرة، و إبطائِهم عن الحِلَّ، وكذلك كراهتهم للحِلِّ عام الحديبية، وكراهتهم للصلح، ومراجعة من راجع منهم، فإن من فعل ذلك فقد أذنب ذنباً كان عليه أن يستغفر الله منه، كما أن الذين رفعوا أصواتهم فوق صوته أذنبوا ذنباً تابوا منه، وقد قال تعالى:) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيْكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُم فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ (.

وقال سهل بن حُنَيف: اتَّهِمُوا الرأيَ على الدِّينِ، فلقد رأيتني يومَ أبي جَنْدَل ولو أستطيع أن أَرُدَّ أمرَ رسول الله e لفعلت.

فهذه أمور صدرت عن [شهوة] وعَجَلة، لا عن شك في الدين، كما صَدَر عن حاطب التجسس لقريش، مع أنها ذنوب ومعاصٍ يجب على صاحبها أن يتوب، وهي بمنزلة عصيان أمر النبي e.

قول الأنصار يوم الفتح وجواب النبي عليهم

ومما يدخل في هذا حديث أبي هريرة في فتح مكة قال: فقال رسول الله e: " مَن دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَان فَهُو آمِنْ، وَمَن أَلْقَى السِّلاحَ فَهُوَ آمِنْ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنْ" فقالت الأنصار: أما الرجل فقد أدركته رغبة في قرابته، ورأفة بعشيرته قال أبو هريرة:/ وجاء الوحي، وكان إذا جاء لا يخفى علينا، فإذا جاء فليس أحدٌ منا يرفع طَرْفه إلى رسول الله e حتى ينقضي الوحي، فلما قضي الوحي؛ قال رسول الله e: " يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ" قالوا: لبيك يا رسول الله، قال: "قُلْتُمْ أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرَابَتِهِ وَرَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ؟ " قالوا: قد كان ذلك، قال: "كَلاَّ، إِنِّي عَبْدُاللهِ وَرَسُولُهُ، هَاجَرْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُم، المَحْيَا مَحْيَاكُم، وَالمَمَاتُ مَمَاتُكم" فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضَّنَّ بالله وبرسوله، فقال رسول الله e: " إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقانِكُم وَيَعْذِرانِكُم" رواه مسلم.

وذلك أن الأنصار لما رأوا النبي e قد آمن أهل مكة وأقرهم على أموالهم وديارهم مع دخوله عليهم عَنْوةً وقهراً وتمكنه مِن قَتْلِهِم وأخذ أموالهم لو شاء خافوا أن يكون النبي e يريد أن يستوطن مكة ويستبطن قريشاً؛ لأن البلد بلده والعشيرة عشيرته، وأن يكون نزاع النفس إلى الوطن والأهل يوجب انصرافه عنهم، فقال من قال منهم ذلك، ولم يقله الفقهاء [و] أولوا الألباب الذين يعلمون أنه لم يكن له سبيل إلى استيطان مكة، فقالوا ذلك لا طعناً ولا عيباً، ولكن ضِنّاً بالله وبرسوله، والله ورسوله قد صدقاهم أنما حملهم على ذلك الضَّنُّ بالله ورسوله، وعذراهم فيما قالوا لما رأوا وسمعوا، ولأن مفارقة الرسول شديدٌ على مثل أولئك المؤمنين الذين هم شعار وغيرهم دثار، والكلمة التي تخرج عن محبة وتعظيم وتشريف وتكريم يغتفر لصاحبها، بل يُحْمد عليها، وإن كان مثلها لو صدر بدون ذلك استحق صاحبها النَّكَال.

أدب أبي بكر مع الرسول

وكذلك الفعل، ألا ترى أن النبي e لما قال لأبي بكر حين أراد أن يتأخر عن موقعه في الصلاة لما [أحس] بالنبي e: " مَكَانَكَ" فتأخر أبو بكر، فقال له النبي e: " مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ مَكَانَكَ وَقَدْ أَمَرْتُكَ" فقال: ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي النبي e.

أدب أبي أيوب مع الرسول

وكذلك أبو أيوب الأنصاري، لما استأذن النبي e في أن ينتقل إلى السفل وأن يصعد رسول/ الله e إلى العلو، وشق عليه أن يسكن فوق النبي e، فأمره النبي e بالمكث في مكانه، وذكر له أنَّ سكناه أسفل أرفق به من أجل دخول الناس عليه، فامتنع أبو أيوب من ذلك أدباً مع النبي e، وتوقيراً له، فكلمة الأنصار رضي الله عنهم من هذا الباب.

المراجعة على ثلاثة أنواع

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير