تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الوجه العاشر: أن القياس الجليَّ يقتضي لأنهم متى خالفوا شيئاً مما عوهدوا عليه انتقض عهدهم، كما ذهب إليه طائفة من الفقهاء، فإن الدم مباحٌ بدون العهد، والعهد عقدٌ من العقود، وإذا لم يفِ أحد المتعاقدين بما عاقد عليه فإما أن ينفسخ العقد بذلك، أو يتمكن العاقد الآخر من فسخه، هذا أصلٌ مقرر في عقد البيع والنكاح والهبة وغيرها من العقود، والحكمة فيه ظاهرة، فإنه إنما التزم ما التزمه بشرط أن يلتزم الآخر بما التزمه، فإذا لم يلتزم له الآخر صار/ هذا غير ملتزم؛ فإن الحكم المعلَّق بشرط لا يثبت بعينه عند عدمه باتفاق العقلاء، وإنما اختلفوا في ثبوت مثله.

إذا تبين هذا فإن كان المعقود عليه حقّاً للعاقد بحيث له أن يبذله بدون الشرط لم ينفسخ العقد بفوات الشرط، بل له أن يفسخه، كما إذا شرط رهناً أو كفيلاً أو صفةً في المبيع ـ وإن كان حقاً لله أو لغيره ممن يتصرف له بالولاية ونحوها ـ لم يجز له إمضاء العقد، بل ينفسخ العقد بفوات الشرط، أو يجب عليه فسخه، كما إذا شرط أن تكون الزوجة حرة فظهرت أَمَة، وهو ممن لا يحل له نكاح الإماء، أو شرط أن يكون الزوج مسلماً فبان كافراً، أو شرط أن تكون الزوجة مسلمة فبانت وثنية، وعقد الذمة ليس حقاً للإمام بل هو حق لله ولعامة المسلمين، فإذا خالفوا شيئاً مما شرط عليهم فقد قيل: يجب على الإمام أن يفسخ العقد، وفسخه: أن يُلحقه بمأمنه ويخرجه من دار الإسلام، ظناً أن العقد لا ينفسخ بمجرد المخالفة، بل يجب فسخه، وهذا ضعيف؛ لأن المشروط إذا كان حقاً لله ـ لا للعاقد ـ انفسخ العقد بفواته من غير فسخ.

[وهذه] الشروط على [أهل] الذمة حق لله، لا يجوز للسلطان ولا لغيره أن يأخذ منهم الجزية ويعاهدهم على المقام بدار الإسلام إلا إذا التزموه، وإلا وجب عليه قتالهم بنص القرآن، ولو فرضنا جواز إقرارهم بدون هذه الشروط فإنما ذاك فيما لا ضرر على المسلمين فيه، فأما ما يضر المسلمين فلا يجوز إقرارهم على بحال، ولو فرض إقرارهم على ما يضر المسلمين في أنفسهم وأموالهم فلا يجوز إقراراهم على إفساد دين الله و الطعن على كتابه ورسوله.

وبهذه المراتب قال كثير من الفقهاء: إن عهدهم ينتقض بما يضر المسلمين من المخالفة، دون ما لا يضرهم، وخص بعضهم ما يضرهم في دينهم، دون ما يضرهم في دنياهم، والطعن على الرسول أعظم المضرات في دينهم.

إذا تبين هذا فنقول: قد شرط عليهم أن لا/ يُظهروا سب الرسول، وهذا الشرط [ثابت] من وجهين:

موجب عقد الذمة ترك أذانا

أحدهما: أنه موجب عقد الذمة ومقتضاه، كما أن سلامة المبيع من العيوب وحلول الثمن وسلامة المرأة و الزوج من موانع الوطء، وإسلام الزوج وحريته إذا كانت الزوجة حرة مسلمة هو موجب العقد المطلق ومقتضاه، فإن موجب العقد هو ما يظهر عرفاً أن العاقد شرطه وإن لم يتلفظ به كسلامة المبيع.

ومعلوم أن الإمساك عن الطعن في الدين وسب الرسول e ما يُعلم أن المسلمين يقصدونه بعقد الذمة ويطلبونه كما يطلبون الكف عن مقاتلتهم وأولى، فإنه من أكبر المؤذيات، والكف عن الأذى العام موجب عقد الذمة، وإذا كان ظاهر حال المشتري أنه دخل على أن السلعة سليمة من العيوب ـ حتى يثبت له الفسخ بظهور العيب وإن لم يشترطه ـ فظاهر حال المسلمين الذين عاقدوا أهل الذمة أنهم دخلوا على أن المشركين يكفُّون عن إفساد دينهم والطعن فيه بيد أو لسان، وأنهم لو علموا انهم يُظهرون الطعن في دينهم لم يعاهدهم على ذلك، وأهل الذمة يعلمون ذلك كعلم البائع أن المشتري إنما دخل معه على أن المبيع سالم، بل هذا أظهر وأشهر ولا خفاء به.

الوجه الثاني: في ثبوت هذا الشرط أن الذين عاهدوهم أولاً هم أصحاب رسول الله e عمر ومن كان معه، وقد نقلنا العهد الذي بيننا وبينهم، وذكرنا أقوال الذين عاهدوهم، وهو عهد متضمن أنه شَرَط عليهم الإمساك عن الطعن في دين المسلمين، وأنهم إذا فعلوا ذلك حلّت دماؤهم وأموالهم، ولم يبق بيننا وبينهم عهد، وإن ثبت أن ذلك مشروط عليهم في العقد فزواله يوجب انفساخ العقد؛ لأن الانفساخ أيضاً مشروط عليهم مع العقد، ولأن الشرط حق الله كاشتراط إسلام الزوج والزوجة، فإذا فات هذا الشرط بطل العقد كما يبطل إذا ظهر الزوج كافراً، أو المرأة وثنية، أو المبيع غصباً أو حراً، أو تجدد بين الزوجين صهر أو إرضاع يُحرِّم أحدهما على الآخر، أو تلف المبيع قبل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير