القبض؛ فإن هذه الأشياء ـ لما/ لم يجز الإقدام على العقد مع العلم بها ـ أبطل العقد مقارنتها له أو طُرُوؤُها عليه، فكذلك وجود هذه الأقوال والأفعال من الكافر، لما لم يجز للإمام أن يعاهده مع إقامته عليها كان وجودها موجباً لفسخ عقده من غير إنشاء فسخ، على أنا لو قَدَّرنا أن العقد لا ينفسخ إلا بفسخ الإمام فإنه يجب عليه فسخه بغير تردد؛ لأنه عَقَده للمسلمين، فإنه لو اشترى الولي سلعة لليتيم فبانت معيبة وجب عليه استدراك ما فات من مال اليتيم، وفسخه يكون بقوله وبفعله، وقتله له فسخ لعقده.
نعم، لا يجوز له أن يفسخه بمجرد القول؛ فإن فيه ضرراً على المسلمين، وليس للسلطان فعل ما فيه ضرر على المسلمين مع القدرة على تركه، وقولنا: إن الذمي انتقض عهده أي: لم يبق له عهد يعصم دمه، والأول هو الوجه، فإن بقاء العقد مع وجود ما ينافيه محال.
بيان الآراء في ما يخالف عقد الذمة
نعم، هنا اختلف الفقهاء فيما ينافي العقد؛ فقائل يقول: جميع المخالفات تنافيه، بناء على أنه ليس للإمام أن يصالحهم بدون شيء من الشروط التي شرط عمر.
وقائل يقول: التي تنافيه هي المخالفات المضرة بالمسلمين، بناء على جواز مصالحتهم على ما هو دون ذلك، كما صالحهم النبي e أولاً حال ضعف الإسلام.
وقائل يقول: التي تنافيه هي ما توجب الضرر العام في الدين أو الدنيا كالطعن على الرسول ونحوها.
وبالجملة، فكل مالا يجوز للإمام أن يعاهدهم مع كونهم يفعلونه فهو مُنافٍ للعقد، كما أن كل ما لا يجوز للمتبايعين والمتناكحين لأن يتعاقدا مع وجوده فهو مُنافٍ للعقد.
وإظهار الطعن في الدين لا يجوز للإمام أن يعاهدهم مع وُجودِهِ منهم، أعني مع كونهم مُمَكَّنِينَ من فعله إذا أرادوا، وهذا مما أجمع المسلمون عليه، ولهذا بعضهم يعاقبون على فعله بالتعزير، وأكثرهم يعاقبون عليه بالقتل.
وهو مما لا يَشك فيه مسلم، ومَن شك فيه فقد خَلَعَ رِبْقَةَ الإسلام من عُنُقه.
وإذا كان العقد لا يجوز عليه كان منافياً للعقد، ومَن خالف شرطاً مخالفة تنافي ابتداء العقد؛ فإن عقده ينفسخ بذلك لا ريب، كأحد الزوجين إذا أحدث ديناً يمنع ابتداء العقد ـ مثل ارتداد المسلم،/ أو إسلام المرأة تحت الكافر ـ فإن العقد ينفسخ بذلك: إما في الحال، أو عقب انقضاء العدة، أو بعد عرض القاضي، كما هو مقرر في مواضعه.
فإحداث أهل الذمة الطعن في الدين مخالفة لموجب العقد مخالفة تنافي ابتداءه؛ فيجب انفساخ عقدهم بها، وهذا بيَّن لمن تأمله، وهو يوجب انفساخ العقد بما ذكرناه عند جميع الفقهاء، ويتبين أن ذلك هو مقتضى قياس الأصول.
واعلم أن هذه الوجوه التي ذكرناها من جهة المعنى (في الذِّميِّ، فأما المسلم إذا سب فلم يحتج أن يذكر فيه شيئاً من جهة المعنى)؛ لظهور ذلك في حقه، ولكن سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ تحقيق الأمر فيه هل سبه ردة محضة كسائر الردد الخالية عن زيادة مغلظة، أو هو نوع من الردة متغلظ بقتله على كل [حال]؟ وهل يقتل للسب مع الحكم بإسلامه أم لا؟ والله سبحانه أعلم.
الاعتراض الأول على الاستدلال
فإن قيل: فقد قال تعالى:) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (فأخبر أنا نسمع منهم الأذى الكثير، ودعانا إلى الصبر على آذاهم، وإنما يؤذينا أذى عاماً الطعنُ في كتاب الله ودينه ورسوله، وقوله تعالى:) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً (من هذا الباب.
الأجوبة عن الاعتراض الأول
قلنا: أولاً: ليس في الآية بيان أن ذلك مسموع من أهل الذمة والعهد، وإنما هو مسموع في الجملة من الكفار.
وثانياً: إن الأمر بالصبر على أذاهم وبتقوى الله لا يمنع قتالهم عند المكنة، وإقامة حد الله عليهم عند القدرة، فإنه لا خلاف بين المسلمين أنا إذا سمعنا مشركاً أو كتابياً يؤذي الله ورسوله ولا عهد بيننا وبينه؛ وجب علينا أن نقاتله ونجاهده إذا أمكن ذلك.
وثالثاً: إن هذه الآية وما شابهها منسوخ من بعض الوجوه.
أول العزّ وقعة بدر
¥