تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وذلك أن رسول الله e لما قدم المدينة كان بها يهود كثير ومشركون، وكان أهل الأرض إذ ذاك صنفين: مشركاً، أو صاحب كتاب، فهادن رسول الله e من بها من اليهود وغيرهم، وأمرهم الله إذ ذاك/ بالعفو والصفح كما في قوله تعالى:) وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيْمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتىَّ يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ (فأمره الله بالعفو الصفح عنهم إلى أن يظهر الله دينه ويعز جنده، فكان أول العز وقعة بدر، فإنها أذلت رقاب أكثر الكفار الذين بالمدينة، وأرهبت سائر الكفار.

بين الرسول و عبدالله بن أبي

وقد أخرجا في "الصحيحين" عن عروة عن أسامة بن زيد أن رسول الله ركب حماراً على إكاف على قطيفة فَدَكِيَّة وأردف أسامة بن زيد، يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج، قبل وقعة بدر، فسار حتى مرَّ بمجلس فيه عبدالله بن أبي بن سلول، وذلك قبل أن يسلم عبدالله بن أبي، وإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، وفي المجلس عبدالله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عَجَاجَة الدابة خَمَّرَ ابن أُبيّ أنفه بردائه، ثم قال: لا تغبروا علينا، فسلم رسول الله e، ثم وقف فنزل، فدعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن، فقال عبدالله بن أُبيّ بن سلول: أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول، إن كان حقاً فلا تؤذنا به في مجالسنا، ارجع إلى رحلك، فمن جاءك فاقصص عليه، فقال عبدالله بن رواحة: بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا، فإنا نحب ذلك، فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون، فلم يزل رسول الله e يُخفِّضهم حتى سكتوا، ثم ركب رسول الله e دابته حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال له رسول الله e: يا سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب؟ ـ يريد عبدالله بن أُبيّ ـ قال كذا وكذا، قال سعد بن عبادة: يا رسول الله اعف واصفح، فوالذي نزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي أنزل عليك، ولقد اصطلح أهل هذه البحرة على أن يُتَوِّجُوه فيُعَصِّبوه بالعِصَابة، فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاك شَرِقَ بذلك، فذلك الذي فعل به ما رأيت، فعفا عنه رسول الله e.

وكان رسول الله e وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله تعالى، ويصبرون على الأذى، قال الله تعالى:) وَلَتَسْمَعَنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُم وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا/ أَذىً كَثِيْراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ وقال الله عز وجل:) وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيْمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ فَاعْفُوا واصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ (.

وكان رسول الله e يتأول في العفو ما أمره الله عز وجل حتى أذن الله عز وجل فيهم، فلما غزا رسول الله e بدراً، فَقَتَل الله تعالى به من قتل من صناديد كفار قريش، وقفل رسول الله e وأصحابه منصورين غانمين معهم أسارى من صناديد الكفار وسادة قريش، فقال ابن أُبيّ بن سلول ومن معه من المشركين عبدة الأوثان: هذا أمر قد توجه، فبايعوا رسول الله e على الإسلام، فأسلموا"، اللفظ للبخاري.

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله تعالى:) وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ (،) لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِر (،) فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ (،) وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا (،) فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ (،) قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ ونحو هذا في القرآن مما أمر الله به المؤمنين بالعفو والصفح عن المشركين فإنه نسخ ذلك كله قوله تعالى:) فَاقْتُلُوا المُشْرِكِيْنَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وقوله تعالى:) قَاتِلُوا الذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِاليَومِ الآخِرِ (إلى قوله:) وَهُمْ صَاغِرُونَ (، فنسخ هذا عفوه عن المشركين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير