وقد رُوي عن أبي برزة الأسلمي قال: أُتي رسول الله e بمالٍ، فقسمه، فأعطى مَن عن يمينه ومن عن شماله، ولم يُعْطِ مَن وراءه شيئاً، فقام رجلٌ من ورائه فقال: يا محمد ما عدلت في القسمة، رجل أسودُ مَطْمُوم الشعر عليه ثوبان أبيضان، فغضب رسول الله e غضباً شديداً وقال: "وَاللهِ لا تَجِدُونَ بَعْدِي رَجُلاً هُوَ أَعْدَلُ مِنِّي" ثم قال: "يَخْرُجُ في آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ كَأَنَّ هَذَا مِنْهمْ، يَقْرَؤُونَ القُرآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيهِمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإسْلاَم كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، سِيْماهُمُ التَّحْلِيقُ، لاَ يَزَالُونَ يَخْرُجُونَ حَتَّى يَخْرُجَ آخِرُهمْ مَعَ المَسِيْحِ الدَّجَّالِ، فَإِذَا لَقِيْتُمُوهُمْ فاقْتُلُوهُمْ، هُمْ شَرُّ الخَلْقِ والخَلِيْقَةِ" رواه النسائي.
ومن هذا الباب ما خرجاه في "الصحيحين" عن أبي وائل عن عبدالله قال: لما كان يوم حنين آثر رسول الله e ناساً في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائةً من الإبل، و أعطى عيينة بن حصن مثل ذلك، وأعطى ناساً من أشراف العرب، وآثرهم يومئذٍ في القسمة، فقال رجل: والله إن هذه لقسمة ما عُدِل فيها، أو ما أريد بها وجه الله قال: فقلت: والله لأخبرن رسول الله e، قال: فأتيته فأخبرته بما قال، فتغير وجهه حتى كان كالصِّرْف، ثم قال: "فَمَنْ يَعْدِلْ إِذَا لَمْ يَعْدِلِ اللهُ وَرَسُولُه؟ " ثم قال: "يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ" قال: فقلت: لا جَرَمَ لا أرفع إليه بعدها حديثاً.
وفي رواية للبخاري قال رجل من الأنصار: ما أريد بها وجه الله.
وذكر الواقدي أن المتكلم بهذا كان معتب بن قشير، وهو معدود من المنافقين.
فهذا الكلام مما يوجب القتل بالاتفاق؛ لأنه جعل النبي e ظالماً مرائياً، وقد صرح النبي e بأن هذا من أذى المرسلين، ثم اقتدى في العفو عن ذلك بموسى عليه السلام، ولم [يستتب]؛ لأن القول لم يثبت، فإنه لم يراجع القائل، ولا تكلم في ذلك بشيء.
ومن ذلك ما رواه ابن أبي عاصم وأبو الشيخ في الدلائل بإسناد صحيح عن قَتَادة عن عقبة بن وسّاج عن ابن عمر قال: أُتي رسول الله e بقُليد من ذهب وفضة، فقسمه بين أصحابه، فقام رجل من أهل البادية فقال: يا محمد، والله لئن أمرك الله أن تعدل فما أراك تعدل، فقال: "وَيْحَكَ! / مَنْ يَعْدِلْ عَلَيْكَ بَعْدِي؟ "فلما ولَّى قال: "رُدُّوهُ عَلَيَّ رُوَيْداً".
ومن ذلك قول الأنصاري الذي حاكم الزبير في شِرَاجِ الحَرَّة لما قال: "اِسْقِ يَا زُبَيْر، ثُمَّ سَرِّح المَاءَ إِلَى جَاِرَك" فقال: إن كان ابن عمتك؟.
وحديث الرجل الذي قضى عليه، فقال: لا أرضى، ثم ذهب إلى أبي بكر، ثم إلى عمر فقتله.
ولهذا نظائر في الحديث إذا تتبعت، مثل الحديث المعروف عن بَهْز ابن حكيم عن أبيه عن جده، أن أخاه أتى النبي e فقال: جيراني على ماذا أُخذوا؟ فأعرض عنه النبي e، فقال: إن الناس يزعمون أنك تنهى عن الفيء وتستخلي به، فقال: "لَئِنْ كُنْتُ أَفْعَلُ ذَلِكَ إِنَّهُ لَعَلَيَّ، وَمَا هُوَ عَلَيْهِمْ، خَلّوا لَه جِيْرَانَهُ" رواه أبو داود بإسناد صحيح.
فهذا وإن كان قد حكى هذا القذف عن غيره فإنما قصد به انتقاصه وإيذاءه بذلك، ولم يحكه على وجه الرد على من قاله، وهذا من أنواع السب.
ومثل حديث ابن إسحاق عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: ابتاع رسول الله e جزوراً من أعرابي بوَسْقٍ من تمر الذخيرة، فجاء به إلى منزله، فالتمس التمر فلم يجده في البيت، قالت: فخرج إلى الأعرابي فقال: "يَا عَبْدَاللهِ، إِنَّا ابْتعنَا مِنكَ جَزورَكَ هَذا بوسْقٍ مِنْ تَمْرِ الذَّخِيْرَةِ، وَنَحْنُ نَرَى أَنَّهُ عِنْدَنَا، فَلَمْ نَجِدْهُ"، فقال الأعرابي، واغدراه وَاغدراه، فوكزه الناس، وقالوا: لرسول الله e تقول هذا؟! فقال رسول الله e: " دَعُوْهُ" رواه ابن أبي عاصم وابن حبان في الدلائل.
¥