تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهذا الباب كله مما يوجب القتل، ويكون به الرجل كافراً منافقاً حلال الدم، كان النبي e وغيره من الأنبياء عليهم السلام يعفون ويصفحون عمن قاله، امتثالاً لقوله تعالى:) خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ ولقوله تعالى:) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ وقوله:) وَلا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَليٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيم (ولقوله تعالى:) وَلَو كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القَلْبِ لا نْفَضُّوا مِن حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُم وَشَاورْهُمْ فِي الأَمْرِ ولقوله تعالى:) وَلا تُطِعِ الكَافِرِينَ وَالمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ (، وذلك لأن درجة الحلم والصبر على الأذى والعفو عن الظلم أفضل/ أخلاق أهل الدنيا والآخرة، يبلغُ الرجل بها ما لا يبلغه بالصيام والقيام، قال تعالى:) وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ والعَافِينَ عَنِ النَّاسِ واللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ وقال تعالى:) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ وقال تعالى:) إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً وقال:) وَإِنْ عَاقَبْتُم فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ للصَّابِرِينَ (.

والأحاديث في هذا الباب كثيرة مشهورة، ثم الأنبياء أحق الناس بهذه الدرجة لفضلهم، وأحوج الناس إليها لما ابتلوا به من دعوة الناس ومعالجتهم وتغيير ما كانوا عليه من العادات، وهو أمر لم يأتِ به أحد إلا عُودِي، فالكلام الذي يؤذيهم يكفر به الرجل فيصير به محارباً إن كان ذا عهدٍ ومرتداً أو منافقاً إن كان ممن يظهر الإسلام، ولهم فيه أيضاً حق الآدمي؛ فجعل الله لهم أن يعفوا عن مثل هذا النوع، ووسَّع عليهم ذلك لما فيه من حق الآدمي؛ تغليباً لحق الآدمي على حق الله، كما جعل لمستحق القود وحد القذف أن يعفو عن القاتل والقاذف وأولى؛ لما في جواز عفو الأنبياء ونحوهم من المصالح العظيمة المتعلقة بالنبي والأمة وبالدين، وهذا معنى قول عائشة رضي الله عنها: "مَا ضَربَ رسول الله e بيده خادماً له ولا امرأة ولا دابةً ولا شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا انتقم لنفسه قط" وفي لفظ: "ما نِيلَ منه شيء فانتقم من صاحبه إلا أن تُنْتَهَكَ محارم الله، فإذا انتُهِكَت محارم الله لم يقم [لغضبه] شيء حتى ينتقم لله" متفق عليه.

كان الرسول يعفو أو ينتقم تبعاً للمصلحة

ومعلوم أن النّيْل منه أعظم من انتهاك المحارم، لكن لما دخل فيها حقه كان الأمر إليه في العفو أو الانتقام، فكان يختار العفو، وربما أمر بالقتل إذا رأى المصلحة في ذلك، بخلاف ما لاحق له فيه من زنى أو سرقة أو ظلم لغيره فإنه يجب عليه القيام به.

وقد كان أصحابه إذا رأوا مَن يؤذيه أرادوا قتله؛ لعلمهم بأنه يستحق القتل، فيعفو هو عنه e، ويبين لهم أن عفوه أصلح مع إقراره لهم على جواز قتله؛ ولو قتله قاتل قبل عفو النبي e لم يعرض له النبي e؛ لعلمه بأنه قد/ انتصر لله ورسوله، بل يحمده على ذلك ويثني عليه، كما قتل عمر رضي لله عنه الرجل الذي لم يرضَ بحكمه، وكما قتل رجل بنت مروان، وآخر اليهودية السابة، فإذا تعذر عفوه بموته e بقي حقاً محضاً لله ولرسوله وللمؤمنين لم يعف عنه مستحقه، فتجب إقامته.

ويبين ذلك ما روى إبراهيم بن الحكم بن أبان: حدثني أبي عن عكرمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابياً جاء إلى النبي e يستعينه في شيء فأعطاه شيئاً ثم قال: "أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ؟ " قال الأعرابي: لا، ولا أجملتَ، قال: فغضب المسلمون وقاموا إليه، فأشار إليه أن كفوا، ثم قام فدخل منزله ثم أرسل إلى الأعرابي فدعاه إلى البيت، يعني فأعطاه فرضي، فقال: "إِنَّكَ جِئْتَنَا فَسَأَلْتَنَا فَأَعْطَيْنَاكَ، فَقُلْتَ مَا قُلْتَ، وَفِي أَنْفُسِ المسْلِمِينَ شَيءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ فَقُلْ بَيْنَ أَيْدِيهِم مَا قُلْتَ بِيْنَ يَدَيَّ حَتَّى يَذْهَبَ مِنْ صُدُورِهِم مَا فِيهَا عَلَيْكَ"،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير