تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أو قد غلبت في عُرْفهم ولغتهم على معنى رديء كما قد قيل: إنهم يَنوُونَ بها اسمع لا سمعت، وبالجملة إنما يصير مثل هذا سباً بالنية، ولَيِّ اللسان ونحوه، فنُهي المسلمون عنها؛ حسماً لمادة التشبه باليهود، وتشبه اليهود بهم، وجعل ذلك ذريعة إلى الاستهزاء به ولما يحتمله لفظها من قلة أدب في مخاطبة الرسول e.

الجواب الرابع: ما ذكره بعض أهل التفسير الذي ذكر أنها كانت سباً قبيحاً بلغة اليهود، قال: كان المسلمون يقولون: رَاعِنَا يا رسول الله وَأَرعنا سمعك، يعنون من المراعاة، وكانت هذه اللفظة سباً قبيحاً بلغة اليهود، فلما سمعتها اليهود اغتنموها وقالوا فيما بينهم: كنا نسب محمداً سراً فأعلِنوا له الآن بالشتم، وكانوا يأتونه ويقولون: راعنا يا محمد، ويضحكون فيما بينهم، فسمعها سعد بن معاذ، ففطن لها، وكان يعرف لغتهم، فقال لليهود: عليكم لعنة الله، والذي نفسي بيده يا معشر اليهود لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله e لأضربن عنقه، فقالوا: أولستم تقولونها؟ فأنزل الله:) يَا أيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقُولُوا رَاعِنَا (؛ لئلا يتخذ اليهود ذلك سبيلاً إلى شتم رسول الله e.

فهذا القول دليل على أن اللفظة مشتركة في لغة العرب ولغة العبرانيين، وأن المسلمين لم يكونوا يفهمون من اليهود إذا/ قالوها إلا معناها في لغتهم، فلما فطنوا لمعناها في اللغة الأخرى نهوهم عن قولها، وأعلموهم أن ذلك ناقض لعهدهم، ومبيح لدمائهم، وهذا أوضح دليل على أنهم إذا تكلموا بما يفهم منه السب حلت دماؤهم، وإنما لم يستحلوا دماءهم لأن المسلمين لم يكونوا يفهمون السب، والكلام في السب الظاهر، وهو ما يفهم منه السب.

الاعتراض الرابع

فإن قيل: أهل الذمة قد أقررناهم على دينهم، ومن دينهم استحلال سب النبي e، فإذا قالوا ذلك لم يقولوا غير ما أقررناهم عليه، وهذه نكتة المخالف.

الجواب عنه

قلنا: ومن دينهم استحلال قتال المسلمين، وأخذ أموالهم، ومحاربتهم بكل طريق، ومع هذا فليس لهم أن يفعلوا ذلك بعد العهد، ومتى فعلوه نقضوا العهد، وذلك لأنا وإن كنا نقرهم على أن يعتقدوا ما يعتقدونه ويخفوا ما يخفونه، فلم نقرهم على أن يظهروا ذلك ويتكلموا به بين المسلمين، ونحن لا نقول ينتقض عهد الساب حتى نسمعه يقول ذلك أو يشهد به المسلمون، ومتى حصل ذلك كان قد أظهره وأعلنه.

وتحرير الجواب: أن كلتا المقدمتين باطلة.

أما قوله: "أقررناهم على دينهم" فيقال: لو أقررناهم على كل ما يدينون به لكانوا بمنزلة أهل مِلَّتهم المحاربين، ولو أقررناهم على كل ما يدينون به لم يعاقبوا على إظهار دينهم وإظهار الطعن في ديننا، ولا خلاف أنهم يعاقبون على ذلك، ولو أقررناهم على دينهم مطلقاً لأقررناهم على هدم المساجد، وإحراق المصاحف، وقتل العلماء والصالحين؛ فإن ما يدينون به مما يؤذي المسلمين كثير، ثم لا خلاف أنهم لا يُقَرُّون على شيء من ذلك، وإنما أقررناهم ـ كما قال غَرَفة بن الحارث ـ على أن نُخَلِّيهم يفعلون ما بينهم ما شاؤوا مما لا يؤذي المسلمين ولا يضرهم، ولا نعترض عليهم في أمور لا تظهر، فإن الخطيئة إذا [أخفيت] لم تضر إلا/ صاحبها، ولكن إذا أعلنت فلم تنكر تضر العامة، وشرطنا عليهم أن لا يفعلوا شيئاً يؤذينا، ولا يضرنا، سواء كانوا يستحلونه أو لا يستحلونه، فمتى آذوا الله ورسوله فقد نقضوا العهد، وشرطنا عليهم التزام حكم الإسلام وإن كانوا يرون أن ذلك لا يلزمهم في دينهم، وشرطنا عليهم أداء الجزية وإن اعتقدوا أن أخذها منهم حرام، وشرطنا عليهم إخفاء دينهم فلا يظهرون الأصوات بكتابهم ولا على جنائزهم ولا صوت ناقوس، وشرطنا عليهم أن لا يرتفعوا على المسلمين، وأن يخالفوا بهيئتهم هيئة المسلمين على وجهٍ يتميزون به ويكونون أذلاء في تميزهم، إلى غير ذلك من الشروط التي يعتقدون أنها لا تجب عليهم في دينهم.

فعُلم أنا شرطنا عليهم ترك كثير مما يعتقدونه ديناً لهم إما مباحاً أو واجباً، وفعل كثير مما يعتقدونه ليس من دينهم، فكيف يقال: أقررناهم على دينهم مطلقاً؟

وأما المقدمة الثانية فنقول: هب أنا أقررناهم على دينهم، فقوله: "استحلال السب من دينهم" جوابه أن يقال: أهو من دينهم قبل العهد؟ أو من دينهم وإن عاهدوا على تركه؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير