تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الجواب الثاني: أن ظهور تلك الأشياء ليس فيها ضرر عظيم على المسلمين، ولا مَعَرَّة في دينهم، ولا طعن في ملتهم، وإنما فيه أحد أمرين: إما اشتباه زِيِّهم بزيِّ المسلمين، أو إظهار لمنكرات دينهم في دار الإسلام كإظهار الواحد من المسلمين لشرب الخمر ونحوه، وأما سب الرسول والطعن في الدين ونحو ذلك فهو مما يضر المسلمين ضرراً يفوق ضرر قتل النفس وأخذ المال من بعض الوجوه، فإنه لا أبلغ في إسفال كلمة الله وإذلال دين الله وإهانة كتاب الله من أن يظهر الكافر المعاهد السب والشتم لمن جاء بالكتاب.

ولأَجل هذا الفرق فصَّل أصحابنا وأصحاب الشافعي الأمور المحرمة عليهم في العهد [الذي] بيننا وبينهم إلى ما يضر المسلمين في نفسٍ أو مالٍ أو دين، وإلى ما لا يضر، وجعلوا القسم الأول ينقض العهد حيث لا ينقضه القسم الثاني؛ لأن مجرد العهد ومطلقه يوجب الإمساك عما يضر المسلمين ويؤذيهم، فحصوله تفويت لمقصود العقد، فيفسخه، كما لو فات مقصود البيع بتلف العوض قبل القبض، أو ظهوره مستحقاً ونحوه، بخلاف غيره، ولأن تلك المَضَرَّات يوجب جنسُها عقوبةَ المسلم بالقتل، فَلأَنْ توجب عقوبة المعاهد بالقتل أولى وأحرى؛ لأن كليهما ملتزم إما بإيمانه أو بأمانه أن لا يفعلها، ولأن تلك المضرات من جنس المحاربة والقتال، وذلك لإبقاء/ العهد معه، بخلاف المعاصي التي فيها مراغمة ومصارمة.

الاعتراض السادس

فإن قيل: فقد أُقِرُّوا على ما هم عليه من الشرك الذي هو أعظم من سب الرسول e، فيكون إقرارهم على سب الرسول أولى، بل قد أقروا على سب الله تعالى، وذلك لأن النصارى معتقدون التثليث ونحوه، وهو شتم لله تعالى؛ لما روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله e: " قال الله عز وجل: كَذَّبَنِي ابنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيْدَنِي كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّلُ الخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً، وَأَنَا الأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُوْلَد وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُواً أَحَد".

وروى في "صحيحه" عن ابن عباس عن النبي e نحوه.

وكان معاذ بن جبل يقول إذا رأى النصارى: "لا ترحموهم؛ فلقد سبوا لله سبةً ما سبه إياها أحد من البشر".

وقد قال الله تعالى:) وَقَالُوْا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً * تَكَادُ السَّماوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وتَنْشَقُّ الأرْضُ وتَخِرُّ الجِبَالُ هَدّاً * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً (الآية.

وقد [أُقِرَّ] اليهود على مقالتهم في عيسى عليه السلام وهي من أبلغ القذف.

الأجوبة عن الاعتراض السادس

قلنا: الجواب من وجوه:

أحدها: أن هذا السؤال فاسد الاعتبار؛ فإن كون الشيء في نفسه أعظم إثماً من غيره يظهر أثره في العقوبة عليه في الآخرة، لا في الإقرار عليه في الدنيا، ألا ترى أن أهل الذمة يُقَرُّون على الشرك، ولا يقرون على الزنى، ولا على السرقة، ولا على قطع الطريق، ولا على قذف المسلم، ولا على محاربة المسلمين، وهذه الأشياء دون الشرك، بل سنة الله في خلقه كذلك؛ فإنه عَجَّل لقوم لوط العقوبة، وفي الأرض مدائن مملوءة بالشرك لم يعاجلهم بالعقوبة، لا سيما والمحتج بهذا الكلام يرى أن قتل الكفار إنما هو لمجرد المحاربة، سواء كان كفره أصلياً أو طارئاً، حتى إنه لا يرى قتل المرتدة، ويقول: الدنيا ليست دار الجزاء [على الكفر]، وإنما الجزاء على الكفر في الآخرة، وإنما يقاتل من يقاتل فقط لدفع أذاه.

ثم لا يجوز أن يقال:/ إذا أقررناهم على الكفر فَلأَنْ نقرهم على المحاربة التي هي دون الكفر بطريق الأولى، وسبب ذلك أن ما كان من الذنوب يتعدى ضرره فاعله عجلت لصاحبه العقوبة في الدنيا تشريعاً وتقديراً، ولهذا قال e: " مَا مِنْ ذَنْبٍ أَحْرَى أَنْ تُعَجَّلَ لِصَاحِبِهِ العُقُوبَةُ مِنَ البَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ"؛ لأن تأخير عقوبته فساد لأهل الأرض، بخلاف ما لا يتعدى ضرره فاعله فإنه قد تُؤخّر عقوبته وإن كان أعظم كالكفر ونحوه؛ فإذاً إقرارهم على الشرك أكثر ما فيه تأخير العقوبة عليه، وذلك لا يستلزم تأخير عقوبة ما يضر بالمسلمين؛ لأنه دونه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير