تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والفرق بين هؤلاء وبين المرتدين أن المرتد إذا عاد إلى الإسلام فقد أتى بالغاية التي يُقاتَل الناس حتى يصلوا إليها، فلا يطلب منه غير ذلك، وإن ظَنَنَّا أن باطنه خلاف ظاهره، فإنا لم نؤمر أن نشق عن قلوب الناس، وأما هؤلاء فإن الكف عنهم إنما كان لأجل العهد، ومن خِفْنا منه [الخيانة] جاز لنا أن ننبذ إليه العهد، وإن لم يجز نبذ العهد إلى من خفنا منه الردة، فإذا نقضوا العهد فقد يكون ذلك أمارة على عدم الوفاء، وأن إجابتهم إلى العهد إنما فعلوه خوفاً وتقيَّةً، ومتى قدروا غدروا، فيكون هذا الخوف مجوزاً لترك معاهدتهم على أخذ الجزية، كما كان يجوز نبذ العهد إلى أهل الهدنة بطريق الأولى.

وفي هذا دليل على أنه لا يجب رد الأسير الناقض للعهد إلى الذمة بطريق الأولى؛ فإن النبي e إذا لم يردهم إلى الذمة وقد طلبوها ممتنعين فأن لا يردهم إليها إذا طلبوها موثقين أولى، وقد أسر بني قريظة بعد نقض العهد فقتل مقاتلتهم ولم يردهم إلى العهد، ولأن الله تعالى قال:) فَمَنْ نَكَثَ فَإنمَّا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ (فلو كان الناكث كلما طلب العهد منا وجب أن نجيبه لم يكن للنكث عقوبة يخافها، بل ينكث إذا أحب، لكن يجوز أن نعيدهم إلى الذمة، لأن النبي e وهب الزبير بن باطا القرظي لثابت بن قيس بن شماس هو وأهله وماله، على أن يسكن أرض الحجاز، وكان من أسرى بني قريظة الناكثين، فعلم جواز إقرارهم في الدار بعد النكث، وإجلاء بني قينقاع بعد القدرة عليهم إلى أَذْرِعات، فعلم جواز المن عليهم بعد النكث، وإذا جاز المن على الأسير/ الناكث وإقراره في دار الإسلام فالمفاداة به أولى.

وسيرة النبي e في هؤلاء الناقضين تدل على جواز القتل والمن على أن يقيموا بدار الإسلام وأن يذهبوا إلى دار الحرب إذا كانت المصلحة في ذلك، وفي ذلك حجة على من أوجب إعادتهم إلى الذمة، وعلى من أوجب استرقاقهم.

اعتراضات على ناقضي العهد

الاعتراض الأول

فإن قيل: إنما أوجبنا إعادتهم إلى الذمة لأن خروجهم عن الذمة ومفارقتهم لجماعة المسلمين كخروجهم عن الإسلام ومفارقة جماعة المسلمين، إذ نقض الأمان كنقض الإيمان، فإذا كان المرتد عن الإسلام لا يقبل منه ما يقبل من الكافر الأصلي، بل إما الإسلام أو السيف، فكذلك المرتد عن العهد، لا يقبل منه ما يقبل من الحربي الأصلي، بل إما الإسلام أو العهد وإلا فالسيف، ولأنه قد صارت لهم حرمة العهد المتقدم، فمنعت استرقاقهم، كما منع استرقاق المرتد حرمة إسلامه المتقدم.

الجواب عن الاعتراض الأول

وقلنا: المرتد بخروجه عن الدين الحق بعد دخوله فيه تغلظ كفره، فلم يُقر عليه بوجه من الوجوه، فتحتم قتله إن [لم] يسلم عصمة للدين، كما تحتم غيره من الحدود حفظاً للفروج وغير ذلك، ولم يجز استرقاقه؛ لأن فيه إقراراً له على الردة لا لتشرفه بدين قد بدلّه، وناقض العهد قد نقض عهده الذي كان يُرعى به، فزالت حرمته، وصار بأيدي المسلمين من غير عقد ولا عهد، فصار كحربي أسرناه وأسوأ حالاً منه، ومثل ذلك لا يجب المن عليه بجزية ولا بغيرها، لأن الله تعالى أمرنا بقتالهم حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، فمن أخذناه قبل أن يُعطِي الجزية لم يدخل في الآية؛ لأنه لا قتال معه، بل قد خيرنا الله إذا شددنا الوثاق بين المن والفداء، ولم يوجب [المن في حق ذمي] ولا كتابي، ولأن الأسير قد صار للمسلمين فيه حق بإمكان استعباده والمفاداة به، فلا يجب عليهم بذل حقهم منه مجاناً، وجاز قتله؛ لأنه كافر لا عهد له، وإنما هو باذل للعهد في حال لا يجب معاهدته، وذلك لا يعصم دمه.

الاعتراض الثاني

فإن قال: مَن منع من إعادته إلى الذمة وجعله فيئاً: هذا منٌّ على الأسير مجاناً، وذلك إضاعة لحق المسلمين؛ فلم يجز إتلاف أموالهم.

الجواب عن الاعتراض الثاني

قلنا: هذا مبني على أنه لا يجوز المن على الأسير، والمرضي/ جوازه كما دل عليه الكتاب والسنة، ومدعي النسخ يفتقر إلى دليل.

الاعتراض الثالث

فإن قيل: خروجه عن العهد موجب للتغليظ عليه، فينبغي إما أن يقتل أو يسترق، كما أن المرتد يغلظ حاله بتعين قتله، فإذا جاز في هذا ما يجوز في الحربي الأصلي لم يبق بينهما يفرق.

الجواب عنه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير