تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبالجملة فالقول بأن الإمام يتخير في هذا إنما يدلُّ عليه عموم كلام بعض الفقهاء أو إطلاقه، وكذلك القولُ بأنه يلحق بمأمنه، وأَخْذُ مذاهب الفقهاء من الإطلاقات من غير مراجعة لما فسروا به كلامهم وما تقتضيه أصولُهم يجرُّ إلى مذاهب قبيحة، فإن تقرر في هذا خلاف فهو ضعيف نقلاً لما قدمناه وتوجيهاً لما سنذكره.

الدليل على تعين قتل السب الذمي

والدليل على أنه يتعين قتله، ولا يجوز استرقاقه ولا المنُّ عليه ولا المفاداة به، من طريقين.

أحدهما: ما تقدم من الأدِلةِ على وجوب قتل ناقض العهد إذا نقضه بما فيه ضرر على المسلمين مطلقاً.

الثاني: ما يخصُّه، وهو من وُجُوه:

الدليل الأول

أحدها: ما تقدم من الآيات الدالة على وجوب قتل الطاعن في الدين.

الدليل الثاني

الثاني: حديث الرجل الذي قتل المرأة اليهودية على عهد رسول الله e وأَهْدَرَ النبي e دمها، وقد تقدم من حديث على بن أبي طالب وابن عباس، فلو كان سبُّ النبي e يرفع العهد فقط ولا يوجب القتل لكانت هذه المرأة بمنزلة كافرةٍ أسيرةٍ، وبمنزلة كافرةٍ دخلت إلى دار الإسلام ولا عهد لها، ومعلومٌ أنه لا يجوز قتلها، وأنها تصير رقيقةً للمسلمين بالسبي، وهذه المرأة المقتولة كانت رقيقةً، والمسلم إذا كانت له أمة كافرة حربية لم يجز لَهُ و لا لغيره قتلها لمجرد كونها حربية، بل تكون ملكاً لسيدها تُرَدُّ عليه إذا أخذها المسلمون، ولا نعلم بين المسلمين خلافاً أن المرأة لا يجوز قتلها لمجرد الكفر إذا لم تكن معاهدة كما يقتل الرجل لذلك، ولا نعلم أيضاً خلافاً في أن المرأة إذا ثبت في حقها حكم نقض العهد فقط مثل أن تكون من أهل الهدنة وقد نقضوا العهد فإنه لا يجوز قتل نسائهم وأولادهم، بل تسترق النساء والأولاد، وكذلك الذمي إذا نقض العهد ولحق بدار الحرب، فمن وُلِد له بعد نقض العهد لم يجز قتل النساء منهم والأطفال، بل يكونون رقيقاً للمسلمين، وكذلك أهل الذمة إذا امتنعوا بدار الحرب ونحوها.

فمن/ الفقهاء من قال: العهد باقٍ في ذريتهم ونسائهم كما هو المعروف عن الإمام أحمد، وقال أكثرهم: ينتقض العهد في الذرية والنساء أيضاً، ثم لا يختلفون أن النساء لا يُقتلن، وأصل ذلك أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه:) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ (فأمر بقتال الذين يقاتلون، فعُلم أن شرط القتال كون المقاتَل مقاتِلاً.

وفي "الصحيحين" عن ابن عمر قال: "وُجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله e، فَنَهى رَسُولُ اللهِ e عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ".

وعن رباح بن ربيع أنه خرج مع رسول الله e في غزوة غزاها وعلى مقدمته خالد بن الوليد، فمرّ رباح وأصحاب رسول الله e على امرأة مقتولة مما أصابت المقدمة، فوقفوا ينظرون إليها، يعني ويعجبون من خَلْقها، حتى لحقهم رسول الله e على راحلته، فانفرجوا عنها، فوقف عليها رسول الله e فقال: "مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقاتِلَ"، فقال لأحدهم: "الْحَقْ خَالِداَ فَقُلْ لَهُ: لاَ تَقْتُلُوا ذُرِّيَّةً وَلاَ عَسِيفاً وَلاَ امْرَأَةً" رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة.

وعن ابن كعب بن مالك عن عمه أن النبي e حين بعث إلى ابن أبي الحُقيق بخيبر: "نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ" رواه الإمام أحمد.

وفي الباب أحاديث مشهورة، على أن هذا من العِلم العام الذي تناقلته الأمة خلفاً عن سلف، وذلك لأن المقصود بالقتال أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، وأن لا تكون فتنة، أي لا يكون أحد يفتن أحداً عن دين الله؛ فإنما يُقاتَل من كان ممانعاً عن ذلك، وهم أهل القتال، فأما من لا يقاتل عن ذلك فلا وجه لقتله كالمرأة والشيخ الكبير والراهب ونحو ذلك، ولأن المرأة تصير رقيقةً للمسلمين ومالاً لهم، ففي قتلها تفويت لذلك عليهم من غير حاجة، وإضاعة المال لغير حاجة لا يجوز، نعم لو قاتلت المرأة جاز أن تقتل بالاتفاق؛ لوجود المعنى فيها الذي جعل الله ورسوله عَدَمه مانعاً من قتلها بقوله e: " ما كانت هذه لتقاتل" لكن هل/ يجوز أن تُقصد بالقتل كما يقصد الرجل أو يقصد كفها كما يقصد كف الصائل؟ فيه خلاف بين الفقهاء، فإذا كان الحكم في المرأة كذلك وقد أهدر النبي e دم امرأة ذمية لأجل سبها مع أن قتلها لو

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير