تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكان ابن الفرضي يحرص على حضور المناسبات الاجتماعية ولعل من أبرز ما دونه حول هذا الموضوع حضوره لمناسبات الجنائز حيث استطاع من خلال هذا الحضور رصد بعض المعلومات المهمة عن بعض الأشخاص، ومن ذلك عمر المتوفى، وقدره العلمي والاجتماعي، ومن صلى عليه، ومتى، وأين دفن، يقول عن حضوره لجنازة إسماعيل بن اسحاق المعروف بابن الطحان: (توفي - عفا الله عنه - ليلة السبت ودفن يوم السبت بعد صلاة العصر في مقبرة قريش آخر يوم من صفر سنة اربع وثمانين وثلاثمائة، وصلى عليه قاضي الجماعة محمد بن يحيى بن زكريا التميمي، وشهدت جنازته وشهدها معنا ألوفُ من المسلمين، وكان الثناء عليه حسناً جداً) ([398]).

كما قال عن خلصة ببن موسى الزاهد (وتوفي - رحمه الله - ليلة الأربعاء لخمس بقين من رجب سنة ست وسبعين وثلاثمائة، ودفن في مقبرة الربض، وصلى عليه محمد بن يبقى القاضي وشهدت جنازته، ولا أعلمني شهدت أعظم حفلاً منها، ولم يكن من أهل العلم) ([399]) كذلك قال بعد أن ذكر المعلومات المهمة عن وفاة عبد الله بن محمد بن عبد الله (شهدت موته - رحمه الله - وغسله، ودفنه) ([400])، كما بين أنه شهد جنازة محمد بن يبقى بن زرب وأنه شهدها جماعة من المسلمين وأن الثناء عليه كان حسناً.

وبهذا العرض استبان لنا أن ابن الفرضي قد سخر كل إمكاناته بل كل أحاسيسه ومداركه من أجل رصد تاريخ كثير من الرجال الذين عايشهم، ثم تدوينها ضمن سجلهم لتبقى جزءاً مهماً من تاريخهم لها أهميتها باعتبارها صادرة من شاهد عيان عايشها، بل ربما شارك في بعض أحداثها كما أتيحت له فرصة السؤال عما يشكل عليه في بعض الأشخاص ([401]).

ثالثاً: المصادر الشفهية:

لما كان ابن الفرضي قد عاصر جمعاً كبيراً من الشخصيات العلمية الأندلسية التي كتب عنها سواء أكانوا من شيوخه، أو زملائه وأقرانه، أو طلابه وتلاميذه، أو غيرهم ممن احتك بهم وتحدث إليهم، وتحدثوا له، فإنه قد أفاد منهم في جمع مادته العلمية عن طريق الرواية الشفهية التي سمعها منهم.

هكذا اتسعت دائرة المصادر الشفوية عند ابن الفرضي وقد وضح ذلك بعدة صيغ وعبارات مثل قوله: سمعت، أو قال لي، أو أخبرني بذلك فلان، وهذه العبارات كلها تدل على السماع والمشافهة، وسنذكر فيما يلي نماذج لهذا النوع من مصادر ابن الفرضي، فأما سمعت فقد وردت كثيراً في كتابه حيث استخدمها في رواياته ومقتبساته من شيوخه وأقرانه ومعاصريه، وكان كثيراً ما يذكرها حينما يُقوّم الرجال والرواة أو يتحدث عن صفات الرجال ومن ذلك قوله: (سمعت أبا بكر بن أصبغ يثني عليه، ويشهد له بالسماع - يعني عبد الله بن داود -) ([402]) و (سمعت عبيد الله بن الوليد بن المعيطي يثني عليه ويصفه بالمروءة وسمعت اسماعيل يثني عليه أيضاً - يعني عيسى بن خلف الخولاني -) ([403])، وكذلك (سمعت محمد بن يحيى بن عبد العزيز يقول: كان محمد بن أيمن إماماً روى الناس عنه كثيراً ومنها قوله: سمعت أبا محمد الباجي يقول فيه - يعني ابن دليم - من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة - إن شاء الله - فلينظر إلى ابن أبي دليم، وسمعت محمد ابن يحيى بن عبد العزيز - رحمه الله - يقول: كل من أصحابنا كانت له صبوة ما خلا محمد بن محمد بن أبي دليم فإن عرفته من صغره زاهداً) ([404])، وقد تكررت هذه العبارة عند ابن الفرضي كثيراً حينما يتحدث عن صفات الرجال سواء في المدح، أو القدح، وهذا مما يدل على حرصه في التوثق من مصادره لا سيما فيما يتعلق بجرح الرجال أو تعديلهم ([405]) لأنه فيما يبدو كان يعد هذا المصدر من أوثق المصادر لديه، ومن ذلك قوله حين حديثه عن أصبغ بن خليل كان معادياً للآثار، شديد التعصب للرأي، سمعت محمد بن أحمد بن يحيى يقول: سمعت قاسم بن أصبغ يقول: (سمعت أصبغ ابن خليل يقول: لأن يكون في تابوتي رأس خنزير أحب إلي من أن يكون فيه مسند ([406]) ابن أبي شيبة) ([407])، وكذلك قوله عن عبد الملك بن هذيل: (سمعت محمد بن أحمد يسئ القول فيه فينسبه إلى الضعف) ([408])، كما روى لنا عن طريق السماع شمائل بعض الأشخاص ومن ذلك قوله عن محارب بن الحكم الاسكافي سمعت إسماعيل يقول فيه:

(أنه مجاب الدعوة وخرج إلى أرض الحرب مجاهداً في غزوة … فمنحه الله الشهادة …) ([409]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير