تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكان ابن الفرضي يذكر أحياناً الرواية الراجحة لديه دون أن يذكر الدليل أو سبب الترجيح، فحينما تحدث عن وفاة عبيدون بن محمد الجهني قال: (وتوفي ليومين مضيا من شوال سنة خمس وعشرين وثلاثمائة من كتاب خالد، وفي كتاب محمد بن أحمد توفي في شوال سنة أربع وعشرين وثلاثمائة وهو أصح إن شاء الله) ([463])، هكذا رجح رواية محمد ابن أحمد على ما ذكره خالد دون أن يذكر سبباً أو دليلاً يدعم ما قاله، ولم يكن الترجيح بين الروايات سواءً بدليل أو بدونه منهجاً دائماً عند ابن الفرضي، بل إنه كان أحياناً يذكر الروايات التاريخية وأقوال المؤرخين المتباينة في القضية الواحدة ويتوقف عن ترجيح رواية على أخرى، وذلك حينما لا يملك الحجة البينة أو لا يتضح له الحق والصواب والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة منها: (أخبرنا محمد بن أحمد بن يحيى قال: نا ابن فراس قال: حدثنا محمد بن علي الصائغ قال: نا سعيد بن منصور قال: نا هشيم قال: نا عبد الرحمن بن يحيى عن حبان بن أبي جبلة الحسني عن أبي عباس: أن آية من كتاب الله سرقها الشيطان: [بسم الله الرحمن الرحيم].

وأخبرنا خلف بن القاسم قال: نا علي بن محمد بن إسماعيل الطوسي قال: بمكة قال: نا محمد بن سليمان بن فارس قال: نا محمد بن إسماعيل البخاري قال: نا ابن أبي مريم قال: نا بكر سمع عبد الله بن زجر عن حبان بن أبي جبلة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: (لا تسلموا على شربة الخمر) ([464])، ولم يبين ابن الفرضي حكم هذين الحديثين.

ومنها ما ذكره عن عبد الله بن مسرة بن نجيح حيث قال: وأخبرني إسماعيل قال: أخبرني خالد قال: كان محمد بن إبراهيم بن حيون يشهد على عبد الله بالقدر، ويقول لي: كان يحزن فيه - أي يكتمه - ثم عقب على ذلك ابن الفرضي بقوله: (كان عبد الله بن مسرة فيما أخبرني من أثق به فاضلاً، ديناً، طويل الصلاة) ([465])، هكذا أورد ابن الفرضي هاتين الروايتين دون أن يذكر رأيه في الصحيح والمقبول منها، وقد تكرر هذا الموقف منه كثيراً وفي عدد من الروايات التاريخية ([466]).

وهذا المنهج - في الحقيقة- لا يعد قصوراً في شخصية ابن الفرضي، بل هو نهج سار عليه كبار المؤرخين والكتاب وعلماء الرجال، والجرح والتعديل، وهو ما يسمى عندهم بالتوقف في المسائل التي لا يملكون دليلاً قوياً أو بينة واضحة في القول بها، أو الحكم عليها.

وعلى الرغم من كون ابن الفرضي محدثاً وناقداً ([467])، ومهتماً بمصادره ومن يأخذ عنه، فإنه كان أحياناً يأخذ من المجاهيل ويذكر بعض الرؤى والحكايات التي قد يبدو الضعف عليها سنداً أو متناً، فمن أمثلة أخذه من المجاهيل قوله: أخبرنا إسماعيل قال: نا خالد قال: حدثنا بن البابا والأعناقي قال: نا أبان بن عيسى بن دينار عن أبيه قال: قال لي عامر: قال مالك: (قل هو الله أحد) من المعوذات، قال: الأعناقي: عامر هذا كان عندنا معلماً بقرطبة روى عنه عيسى بن دينار ([468])، وقوله: كان معلماً يشعر بأنه معلم والمعلم هو معلم الصبيان، كما أن هذا الراوي مجهول النسب غير معروف بحمل العلم وروايته، كما أنه ليس من المعروفين بالرواية عن مالك ابن أنس -رحمه الله - حيث ترجم له ابن الفرضي بقوله: عامر المعلم من أهل قرطبة ([469]) ولم يزد على، وهذا يدل على أنه يأخذ عن المجاهيل غير المعروفين بالرواية والنقل.

كما روى بعض الحكايات والرؤى عن بعض من ترجم لهم فمن الرؤى ما رواه عبد الله بن محمد بن علي القيسى (أخبرنا عبد الله بن محمد بن علي قال: نا أحمد بن خالد قال: ذكر لنا ابن وضاح عن أبي محمد الخشاب السرقسطي صاحبه، وكان نعم الرجل مؤتمناً على ما يقول أنه رأى في منامه النبي ش يمشي في طريق، وأبو بكر خلفه وعمر خلف أبي بكر، ومالك ابن أنس خلف عمر، وسحنون خلف مالك، قال ابن وضاح: فذكرته لسحنون فسر بذلك) ([470]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير