وهذا الذي يقول هذه الأقوال، ويسري في هذه السبل قد عرف حاله، وله أحوال معنا يكون حاسداً لأصحاب الفضائل الباطنة والظاهرة، فيأخذ في محو محاسنهم طلباً لإثبات نفسه، ووقتاً يكون طالباً لأن يقال: محقق متقن قد جاء ليجدد لهذه الأمة أمر دينها، وغير ذلك من الأمور المذمومة، ونحن نعرفه، ونعرف أغراضه وما نشأ عليه، وما جُبل عليه، وما هو مُراده وما هو معشوقه من الأحوال والأفعال والاعتقادات، فالله تعالى لا يجعلنا بحاله ولامسلماً غيرنا، وشرح أمره أطوله طويل، وبلاء المسلمين به غير قليل» (1).
وتقع على البذاء في أسلوبه، مثل قوله: « ... فاعلم ذلك وثق به، ولا تلتفت إلى حيوان ينكر مثل ذلك ولو ادّعى العلم فليس بعالم، لأن العالم يتصرف بعلمه ويعتمد الواجب، وينظر الأصلح ويفكر في العواقب ... » (1).
وقال في بحث (الخضر وحياته) عليه السلام: « .. وإن كان أصحاب الأغراض الخسيسة النفسانية، والمقاصد الخبيثة الشيطانية يقولون غير ذلك، إما لدغل كامن وعداء باطنه لهذه الأمة، وإما لحب التفرد بالرياسة، فيأخذ أحدهم في محو محاسن أهل الباطن حتى يصل إلى الخضر عليه السلام.
ثم إن قدر على إثبات محاسن نفسه، وإلا اكتفى في الأمر بمحو الغير، وتغذّت نفسه وطبعه بذلك ورضي به، فاعلم ما يقول وتحققه، ومن العجب كوننا رأينا من الفضلاء من شحن كتبه بشهادة الأولياء، وهم الجم الغفير، ببقاء الخضر عليه السلام ورؤيته ومحادثته والتعلم منه، إلى غير ذلك، ثم يقول في مكان آخر: إن ذلك باطل وإنه من إلقاء الشيطان بين الناس، فلا حول ولا قوة إلا بالله» (1).
وعرض ذكر الملاحم، والذين ينكرونها ممن سماهم بالمتفقهة، ودافع عنها وقال: إن في هذه الملاحم أسراراً لله تعالى، وحكمة واسعة. ودعا إلى سلوك الأدب معها، ثم قال: « ... ولقد رأيت جماعة من المتفقهة ينكرون بخلاف الأئمة الفضلاء والسادة النبلاء، حتى إنهم يكثرون الكلام على الملاحم، ويزعمون أنها من الباطل.
ولقد رأيت شخصاً كبيراً منهم يقول: الواقعة الفلانية مذكورة في ملحمة ابن عقب (1) أو غيره وجرت كما ذكر لكني أعلم أنها كتبت فيها بعد وقوعها من فعل بعض الزنادقة، أو المتعصبين للباطل، ويحرم بذلك وينكر أن ابن عقب أو غيره يمكنه أن يتكلم على وقوع شيء قبل كونه ويقول: كيف يتهيأ له ذلك وما يعلم الغيب إلا الله تعالى؟ فلا زلت حتى وقعتُ على ملحمة كتبها بخطه في صغره، وقد جرى في بسط عمره منها وقائع، فقلت: أليس هذا خطك؟ وقد جرى ذلك بعد كتابك فأبلس» (1).
قلت: ما كان شيخ الإسلام ممن تنقطع حُجَّته أمام رجل قزم العقل كابن السَّرَّاج، ولئن صَدَق في روايته هذه فما يُظن بأبي العباس أن ينسخ هذا الضرب من الملاحم الخرافية حتى وهو صبي.
أكبر الظن أن ما أشار إليه ابن السَّرَّاج ووجده بخط ابن تيمية هو بعض المبشرات التي رآها الصالحون، وقيّدت في كتاب ووافق بعضها ما قدَّره الله تعالى، كتلك التي أخبر بها شيخ الإسلام السلطان الناصر في رسالة بعثها إليه جاء فيها: «وقد حدثنا أبي رحمه الله أنه كان عندهم كتاب عتيق وقف عليه من أكثر من خمسين سنة، قبل مجيء التتار إلى بغداد، وهو مكتوب من سنين كثيرة، وفي آخره: والتتار يقلعهم المصريون. وقد رأى المسلمون أنواعاً من المبشرات بنصر الله ورسوله، وهذا لا شك فيه إن شاء الله ... » (1).
ـ[أبو عمر الدوسري]ــــــــ[11 - 03 - 06, 12:17 م]ـ
وله عبارات شنيعة نفهم منها عميق غيظه وأكيد حسده، وهي كثيرة منها قوله: « ... فليعلم ذلك المعترض المتحذلق، وهو بسكوته عما لا يعنيه المتفضل المتصدق» (1). وقوله: « ... أين يُتاه بك أيها الغافل الجامد؟» (1). « .. لا كاعتقاد أعداء الملّة الذين يَدَّعون أنهم علماء وفضلاء ومشايخ الإسلام!! وهم أضرّ على الإيمان من أهل الكفر والطغيان» (1) « .. وقد رأينا من الجهلة قوماً لا يَعرفون، ولا يَعرفون أنهم لا يعرفون، ثم إنهم يستنكرون أمر المحبة، وهؤلاء ـ عندي ـ البهائم خير منهم» (1)، ومن حمقه أنّه بالغ في اتهام من عادى الرفاعية بالحسد فقال: « ... فإبليس لعنه الله، لم يبلغ به الحسد لآدم على نبيّنا وعليه السلام، أكثر من ذلك» (1).
¥