وقال: « ... واعلم أن هذا الشخص من إخواننا في السن وخدمة العلم الشريف من عهد الصبى بدمشق حرسها الله تعالى، ولما عزم على إبداء المخالفة نهيناه كثيراً، وأشرنا عليه بالاشتغال بما يفيد من إصلاح كتب التفاسير والفقه والأصول وغير ذلك (1).
ولما انتقلنا إلى مباشرة الأطراف بإشارات باطنة من ( ... ) (1) والأشراف، لم نزل نرسل إليه، ونؤكّد عليه، وكان يخالفنا في أشياء ثم يرجع ويقول: عجلتُ. وما جاريناه في أمر إلا ردّه الله إلى قولنا، فلا تغترّ بشهرته وصِيْته، واعلم بأن حزب الله هم الغالبون ... » (1).
وأردف عقب هذا قائلاً: « .. ونقول حينئذ: ثم من أعظم البلايا أن العلماء المحققين؛ أحجموا عن مساواة ذلك وأمثاله ومقابلتهم، وصانوا أعراضهم لأسباب عن مباحثتهم ومقاولتهم، ولم يظنوا أن يصل الأمر إلى ما وصل فتتابع وتفاقم إلى أن صار لصد الإسلام بسببه مرامه وحصل.
وكان المحققون من العلماء قادرين على إعدام من كان هذا الخلاف المضل من سلوكه وسننه، ولكنهم خافوا أن يصير قتل العلماء من فروض زمانهم الرذل وسننه. حققنا ذلك عياناً ... » (1).
قلت: قوله: «ولما عزم على إبداء المخالفة نهيناه كثيراً ... » إلخ يقصد بذلك قطعاً ما كان منه قبل سنة698هـ من وضوح نهج السلف الصالح في العقيدة لديه، إلى أن كتب (الحموية)، ونقده أشياخ الصوفية المنحرفة، كابن عربي (ت638هـ) الذي كان يحسن الظن به في مطلع شبابه ثم تبين له حاله (1). وإني ليبدو لي أن إبداء مخالفته كان أقدم من ذلك التاريخ بكثير نفهم هذا من كلامه ـ رحمة الله عليه ـ عندما قال: « ... وأغرب من هذا ما قاله لي مرة شخص من هؤلاء الغالطين، في قوله: {ومَا يَعْلَمُ تَأْوِيْلَهُ إلاَّ الله} (1) قال المعنى: وما يعلم تأويل: (هو)، أي اسم: (هو) الذي يقال فيه: هو، هو. وصنف ابن عربي كتاباً في (الهو).
فقلت له ـ وأنا إذ ذاك صغير جداً ـ: لو كان كما تقول، لكُتِبَت في المصحف مفصولة: (تأويل هو)، ولم تكتب موصولة .. » (1).
وذكر أنه ناقش رجلاً وابنه من المتعصبين لأهل الكلام وهو صغير قريب العهد من الاحتلام (1).
وأَعْظَمَ ابن السَّرَّاج الفِرْية عند قوله: «ثم نقول: وإن أصرَّ منكر ولم يقبل النصيحة بل أحب الفضيحة فقل: رأينا هذا المنكر المبالغ المدعي القطبية يصرح بأنه المهدي الذي وعد به النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: أنا الذي أُقِيم الحق، وأَمْحق الباطل، وأنا المتعيّن لكل الوظائف الدينية والدنيوية، إلى كلام كثير من جنس ذلك. فقيل له: الانتماء والنسب غير موافق. قال: ما علينا من ذلك إذا صح المعنى وهو المقصود. ثم قال: وإن لم أكن هو، فأنا مثله، أو نظيره ( .. ) (1)، وهو الذي حمله على ما قاله، وقد قدح العلماء وخالفهم، وألف العامة وحالفهم، ثم تَرَقّى في بغيه إلى أن تعرَّض إلى جناب الرسولصلى الله عليه وسلم (1)، وقال: إن الصرصري (ت656هـ) صاحب الديوان الحسن في مدح الرسول قد أخطأ في مبالغته، وربما كفّره (1) وقال غير ذلك مما اشتهر عنه في فتاويه الخبيثة التي بثَّها شرقاً وغرباً، واستند في ذلك إلى أشياء كل عالم صغير وكبير، ووضيع ورفيع يعرفها من جنس الأحاديث المتضمنة تواضعه صلى الله عليه وسلم وقوله: «لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح عليه السلام»، و «لا تعظموني كفعل الأعاجم، يعظم بعضهم بعضاً»، و «لا تفاضلوا بيني وبين الأنبياء»، إلى غير ذلك، وكل ذلك لايقدح ما قدحه، وهو محمول علىحبّه التواضع لله تعالى ليرفعه .. » (1).
قلت: أمّا زعمه أن شيخ الإسلام ادَّعى المهدية فافتراء منه عليه بلاريب، وما أظن المصدر الذي نقل عنه الحافظ ابن حجر العسقلاني، قوله: « ... ونسبه قوم إلى أنه يسعى في الإمامة الكبرى»، إلا ابن السَّرَّاج وأضرابه، من الحاقدين الشنأة الذين يضعون هذه الكذبة ويشيعونها لتأليب ولاة الأمرعليه.
وكان نصر المنبجي (ت719هـ) من حَمَلة هذه الفرية ـ إن لم يكن مصدرها ـ فقد كان يقول لعلي بن مخلوف القاضي (ت718هـ): «قل للأمراء: إن هذا يُخشى على الدولة منه، كما جرى لابن تومرت (ت524هـ) في بلاد المغرب»، فلما جاء مريده الجاشنكير (ت709هـ) إلى السلطة أوهمه المنبجي أن ابن تيمية سيخرجهم من الملك ويقيم غيرهم (1).
¥