وبعض الناس عنده تعظيم للحديث وأهله، ويظهر الانتساب إلى مذهب السلف، وله قصد حسن، ولكنه يوافق أهل البدع في بعض أصولهم، ويشاركهم في بعض آرائهم الباطلة؛ لجهله بمذهبهم؛ فيتعلق أهل الباطل بأخطائه، ويجعلون من الصغير الكبير، ومن القليل الكثير، وهذا من اتباع الهوى والجور في الحكم؛ فلا ينسب خطؤه إلى السلف، ولا يقدح خطؤه في مذهب أهل السنة؛ فإن الحق عليه نور كنور الشمس، والباطل عليه ظلمة كظلمة الليل، والواجب على المسلم أن يجعل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حكما على قول كل إنسان؛ فيزن أقوال الناس بالكتاب والسنة؛ فما وافقهما؛ قبله، وإلا؛ ردة، ولا يتعلق بهفواتهم وزلاتهم، ولا يحمله خطأ من غلا في الإثبات على التعطيل؛ فإن ذلك من وحي الشياطين، بل يرد غلو من غلا في الإثبات، ويثبت الحق؛ فلا ينفي عن الله ما وصف به نفسه، ولا يشبه أو يمثل؛ لأن الله تعالى? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ? [الشورى:11].
ـ[أبو عمر الدوسري]ــــــــ[11 - 03 - 06, 03:21 م]ـ
فصل
وأشرع الآن مستعينا بالله تعالى بما وعدت به من بيان أخطاء ابن الجوزي في كتابه ((دفع شبه التشبيه))، وبيان ضلال المعلق عليه حسن السقاف.
وقد قدم السقاف للكتاب ب (84) وجها:
ذكر في هذه المقدمة أولا: ترجمة لابن الجوزي.
وذكر في الباب الثاني: إثبات التأويل عن السلف.
وذكر في الباب الثالث: أن خبر الواحد يفيد الظن ولا يفيد العلم.
وذكر في الباب الرابع: الحديث الصحيح وما يتعلق به.
وذكر في الباب الخامس: إبطال استدلالات المشبهة على العلو الحسي (ويعني السقاف بالمشبهة: السلف).
وهذا جميع ما ذكره السقاف في مقدمته للكتاب في الجملة، وأعاد كثيرا مما ذكره في المقدمة في أثناء التعليقات على الكتاب، وسوف أتعرض إن شاء الله لما ذكره في المقدمة أثناء ردي عليه في تعليقاته على الكتاب، وقد أذكر كلامه مع كلام ابن الجوزي، ويكون الرد عليهما جميعا.
والله أسأل أن يرزقني الإخلاص في القول والعمل.
*قال ابن الجوزي (ص 100):
(وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات، فسموها بالصفات تسمية مبتدعة، لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل، ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى، ولا إلى إلغاء ما يوجبه الظاهر من سمات الحدوث ... )).
* أقول: الكلام معه من وجوه:
الوجه الأول: قوله: أوقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات)):
أقول: إن كان يعني ب (الظاهر): ما تدل عليه الأسماء والصفات من المعاني؛ فنعم؛ الأخذ بالظاهر أمر متعين واجب؛ فاسم الله السميع يدل على إثبات السمع لله تعالى، والعليم يدل على إثبات العلم لله تعالى، والرحيم يدل على إثبات الرحمة لله تعالى؛ إثباتا بلا تمثيل، وتنزيها بلا تعطيل؛ لأن الله جل ذكره ? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ?؛ لا في ذاته، ولا في أفعاله، ولا في صفاته،? وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ? [الشورى: 11].
وإن كان يقصد أنهم أخذوا بالظاهر، فجعلوها مماثلة لصفات المخلوقين؛ لأن بعض أهل البدع يعتقد في صفات الله تعالى أن ظاهرها التمثيل بصفات المخلوقين؛ فمن ثم ينفون عن الله ما وصف به نفسه؛ فهذا خطأ من وجهين:
الأول: أن السلف لم يجعلوا صفات الله، تعالى مماثلة لصفات المخلوقين، ومن نسب إليهم ذلك؛ فقد أخطأ عليهم.
الوجه الثاني: أن زعم من زعم أن ظاهر الصفات التمثيل أو التشبيه بصفات المخلوقين قول بلا علم، ولا ريب أن من اعتقد أن ظاهر الصفات التمثيل أو الشبيه بصفات المخلوقين قد أخطأ وضل وخالف الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها؛ لأن الله جل وعلا ? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ? [الشورى: 11]؛ فنفى الله جل وعلا عن نفسه مماثلة المخلوقين، وبعد النفي أثبت لنفسه السمع والبصر.
ولكن ليعلم أنه لم يقل أحد من الصحابة ولا من التابعين لهم بإحسان ولا من الأئمة الأربعة ولا من غيرهم من أئمة الهدى: إن ظاهر الصفات التمثيل، بل كلهم متفقون على، إمرار الصفات كما جاءت، مع فهم معانيها، وإثبات حقائقها، مع نفي مماثلتها لصفات المخلوقين.
¥