وأي افتراء أعظم من نفي الأسماء الحسنى والصفات العلى عن الله تعالى ووصفه بصفات العدم؟!
وقد عاب إبراهيم الخليل أباه لكونه يعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنه شيئا؛ كما قال تعالى عن إبراهيم: ? إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا? [مريم: 42]؛ فدل ذلك على أن الله يسمع ويبصر، وإلا؛ لقال أبو إبراهيم: وربك كذلك!
ولكن أهل التعطيل لا يفهمون من صفات الخالق إلا ما يفهمون من صفات المخلوق؛ فأدى ذلك بهم إلى نفي الصفات عن الله تعالى؛ مدعين نفي مماثلة صفات الخالق للمخلوق.
وأهل السنة لم يقولوا: إن صفات المخلوق تماثل صفات الخالق! وحاشاهم من ذلك، ولكن أهل البدع يلبسون على الخلق، ويدعون أن من اثبت الصفات وأثبت معانيها؛ فقد شبه المخلوق بالخالق، وهذا من جهلهم بالله تعالى.
وأهل العلم والدين يقولون: إن وصف الله تعالى بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليس فيه تمثيل للمخلوق بالخالق، ومن زعم ذلك؛ فقد ألحد في أسماء الله وآياته، وحرف الكلم عن مواضعه، وسلك مسلك النفاة الجهمية؛ فكون الله تعالى موصوفا بالرحمة والسمع والبصر واليدين وغير ذلك من صفاته، والمخلوق موصوفا بالرحمة والسمع والبصر واليدين؛ لا يلزم منه مماثلة أو مشابهة، فليست رحمة الخالق كرحمة المخلوق، ولا سمعه كسمعه ... وكذلك يقال في سائر الصفات.
وهذا أمر معلوم عند أئمة السلف، وقد أجمع على ذلك الصحابة والتابعون، ولم ينازع في ذلك إلا من اجتالته الشياطين عن فطرته واتبع هواه.
وأهل البدع الذين ينفون عن الله تعالى ما وصف به نفسه قد وقعوا في التعطيل أولا؛ لكونهم سلبوا عن الله تعالى ما سمي ووصف به نفسه، وفي التشبيه ثانيا؛ لأن من لم يصف الله تعالى بصفاته؛ فقد شبهه بالجمادات والناقصات، تعالى الله عن قول الجهمية ومن سلك مسلكهم علوا كبيرا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في ((التدمرية)) المطبوعة ضمن ((الفتاوى)) (3/ 48): ((إن كثيرا من الناس يتوهم في بعض الصفات أو كثير منها أو أكثرها أو كلها أنها تماثل صفات المخلوقين، ثم يريد أن ينفي ذلك الذي فهمه؛ فيقع في أربعة أنواع من المحاذير:
أحدها: كونه مثل ما فهمه من النصوص بصفات المخلوقين، وظن أن مدلول النصوص هو التمثيل.
الثاني: أنه إذا جعل ذلك هو مفهومهاً وعطله؛ بقيت النصوص معطلة عما دلت عليه من إثبات الصفات اللائقة بالله، فيبقى مع جنايته على النصوص، وظنه السيء الذي ظنه بالله ورسوله؛ حيث ظن أن الذي يفهم من كلامهما هو التمثيل الباطل؛ قد عطل ما أودع الله ورسوله في كلامهما من إثبات الصفات لله والمعاني الإلهية اللائقة بجلال الله تعالى.
الثالث: أنه ينفي تلك الصفات عن الله عز وجل بغير علم، فيكون معطلا لما يستحقه الرب.
الرابع: أنه يصف الرب بنقيض تلك الصفات من صفات الأموات والجمادات أو صفات المعدومات، فيكون قد عطل به صفات الكمال التي يستحقها الرب، ومثله بالمنقوصات والمعدومات، وعطل النصوص عما دلت عليه من الصفات، وجعل مدلولها هو التمثيل بالمخلوقات، فيجمع في كلام الله وفي الله بين التعطيل والتمثيل، فيكون ملحدا في أسماء الله وآياته ... ).
وابن الجوزي في هذا الموضع قد عطل الله تعالى عن صفات الكمال، وادعى أن تسميتها مبتدعة، بينما في كتابه ((تلبيس إبليس)) (ص 101) قال عن آيات وأحاديث الصفات: ((إنما الصواب قراءة الآيات والأحاديث من غير تفسير ولا كلام فيها ... ))، وهذا تفويض من ابن الجوزي.
وقال (ص 102) في الطريق السليم من ((تلبيس إبليس)): ((إنه ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعوهم بإحسان من إثبات الخالق سبحانه وإثبات صفاته على ما وردت به الآيات والأخبار من غير تفسير ... )).
فقوله: ((من إثبات الخالق سبحانه وإثبات صفاته على ما وردت به الآيات والأخبار من غير تفسيرا: يتنافى مع ما قرره في كتابه ((دفع شبه التشبيه))، وهذا مما يؤكد اضطرابه في العقيدة؛ فتارة يثبت، وتارة ينفي، وتارة يفوض.
¥