وختاماً فإننا نقف أمام علم شامخ وفقيه بارع من فقهاء المذهب الحنبلي الذين أنجبتهم ديار فلسطين ولعل هذه الدراسة تكون خطوة على طريق إعداد دراسات وأبحاث عن هؤلاء العلماء الأجلاء وبيان مكانتهم ودورهم في نشر العلم الشرعي في هذه الديار والبلدان المجاورة فلعل طلبة العلم والباحثين يشمرون عن ساعد الجد والاجتهاد فيقومون بالبحوث والدراسات في هذا المجال، وأخيراً أتقدم بالشكر والتقدير لفضيلة الشيخ عمار توفيق بدوي صاحب فكرة هذا البحث وعلى جهوده لعقد هذه الندوة العلمية عن الشيخ مرعي الكرمي وأرجو أن تستمر هذه النشاطات العلمية النافعة والمفيدة وجزاكم الله خيراً وبارك في جهودكم الخيرة.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فجر يوم الأحد الأول من ذي القعدة سنة 1420 هـ
وفق السابع من شباط سنة 2000م
كتبه الدكتور حسام الدين بن موسى عفانه
الأستاذ المشارك في الفقه والأصول
كلية الدعوة وأصول الدين
جامعة القدس
المبحث الأول
دراسة حياة المؤلف وفيها مطالب:
المطلب الأول: اسمه ونسبه:
هو مرعي بن يوسف بن أبي بكر بن أحمد بن أبي بكر بن يوسف بن أحمد الكرمي المقدسي الأزهري المصري الحنبلي (1).
أما الكرمي فنسبة إلى طور كرم [طولكرم المدينة المعروفة في فلسطين] حيث ولد ونشأ فيها. والمقدسي نسبة إلى بيت المقدس حيث درس فيها وتتلمذ على بعض علمائها.
والأزهري نسبة إلى الأزهر الشريف منارة العلم والعلماء حيث درس فيه ودرَّس ونبغ وفاق أقرانه. والمصري نسبة إلى مصر حيث سكنها وتوفي فيها.
والحنبلي نسبة إلى مذهب إمام السنة أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى الذي انتسب إليه الشيخ مرعي، وفيه يقول الشيخ مرعي:
لئن قلّد الناس الأئمة إنني ** لفي مذهب الحبر ابن حنبل راغب
أقلد فتواه وأعشق قوله ** وللناس فيما يعشقون مذاهب (2)
المطلب الثاني: ولادته ونشأته وطلبه للعلم:
ولد الشيخ مرعي في طولكرم كما سبق ولكن سنة ولادته غير معروفة، ونشأ فيها وتلقى علومه الأولى فيها ولما اشتد عوده رحل إلى بيت المقدس ليأخذ عن علمائه فأقام مدة من الزمن لم يذكر المترجمون له مدتها.
ثم رحل الشيخ مرعي إلى مصر حيث الجامع الأزهر، الجامعة الكبرى للعلوم الشرعية في ذلك العصر والأوان. وسكن مصر وبقي فيها حتى وفاته رحمه الله تعالى، وفي الأزهر استكمل الشيخ مرعي دراسته وأخذ عن عدد من العلماء والمشايخ ثم تصدر للإقراء والتدريس والتأليف، وتولى المشيخة بجامع السلطان حسن في القاهرة (3).
المطلب الثالث: مشايخه:
تلقى الشيخ مرعي العلم عن عدد كبير من العلماء والمشايخ في بلده طولكرم والقدس الشريف والقاهرة ومن هؤلاء:
1. الشيخ الإمام العالم العلامة محمد بن أحمد المرداوي القاهري، فقيه الحنابلة وشيخهم في عصره، كان جبلاً من جبال العلم، بحراً من بحور الإتقان، أخذ العلم عن التقي محمد الفتوحي، والشيخ عبد الله الشنشوري الفرضي، وأخذ عنه جماعة من الأفاضل منهم الشيخ مرعي، والشيخ منصور البهوتي، وعثمان الفتوحي وغيرهم، توفي بمصر سنة 1026 هـ (4).
2. الإمام العلامة المفسر المحدث الواعظ محمد بن حجازي بن محمد بن عبد الله الأكراوي الشافعي القلقشندي المعروف بمحمد حجازي ولد في ذي القعدة سنة 957 هـ ونشأ بمصر وحفظ القرآن وحفظ متوناً في النحو والفقه وغيرها من العلوم، خاتمة العلماء كان من الأكابر الراسخين في العلم أخذ العلم عن كثير من المشائخ حتى قيل إن شيوخه بلغوا ثلاثمئة شيخ، من تصانيفه: فتح المولى النصير بشرح الجامع الصغير، الاستعلام عن رؤية النبي e في المنام، اتحاف السائل بما لفاطمة من الفضائل، القول المقبول في كفارة دين المقتول، سواء الصراط في أشراط الساعة، القول المشروح في النفس والروح، وغيرها، توفي بالقاهرة في ربيع الأول سنة 1035 هـ (5).
¥