تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

معها إلا أن يحكم ببلوغ مالكية الأندلس الذروةَ في التعصب، كما أن الدكتور الجيدي دفع مسألة عدم اهتمام المالكية بالتأصيل والاستدلال بما لا يُجدي، لأن القضية في متناوَل الأيدي لِمَن أرادها، وقد زادت وضوحاً في السنين الأخيرة بعد أن قَذَفت المطابع بعدد لا يستهان به من كتب المالكية، وفيها أمهات الكتب، فإذا بها لا تخرج عن سوابقها إلاَّ بما لا يُسمن ولا يغني من جُوع، وهذا بخلاف المذاهب الأخرى بما فيها المذهب الحنفي الذي اشتُهِر بالقياس والرأي، وذلك لأنها من حُسن حظها امتازت بكوكبة من المحدثين النَّقَدة الذين خَدَموها بإخلاص، رَغم التعصب والانحياز الذي يكاد يكون من خصائص المذهبية. والمالكية فقراء من هذه الناحية، والمحدثون النقاد منهم قليلون، فلهذا لا تكاد تجد فيهم مَن عُني بتخريج أحاديث كتاب مهم عندهم، فهذه رسالة بن أبي زيد وهي من المتون الشهيرة القديمة المقررة للدراسة والحفظ،وشروحُها تناهز المائة، لا تكاد تجد في شرُوحها مَن يتكفل بالاستدلال لعُشُر مسائلها، حتى جاء بالأمس القريب شيخُنا أحمد بن الصديق الغماري الطنجي فشَرَحها بالدليل في كتابه " مسالك الدِلالة" وهو الأول من نوعه، وهذا رَجَز ابن عاشر " المرشد المعين " وهو من المتون المدروسة والمحفوظة عند صِغار الطلبة، وشروحُه بالعشرات، كلها خالية من الدليل والتعليل، حتى اعتنَى به الأستاذ أحمد الورايني من خريجي دار الحديث بالرباط فشَرَحه شرحاً جيداً سماه:" التمكين، لأدلة المرشد المعين"، وشَرَح عبد العزيز بن الصديق "العشماوية" بالدليل اعتمد فيه على شقيقه أحمد، وخَرَّج هذا أحاديث" بداية المجتهد" لابن رشد فأجاد وأفاد وطبع الآن. وهذا بقطع النظر عن صحة هذه الأدلة وسَلاَمتها من الطعن، لأن المقصودَ هو الاستدلال لمسائل المذهب حسب أصوله، وهذا مختصر خليل المبيِّن لِمَا به الفتوى، ومعلوم شدة عناية المالكية به، وخدمتها له بمختلف الوجوه إلا بالاستدلال والتأصيل، وقد تجاوزت شروحُه وحواشيه المائة، إلا محاولات مُحتَشمة لا تقوم على رجليها، قام بها بعضُ الشناقطة أخيرا. وحدثني الأخ الدكتور توفيق الغلبزوري أنه لقي بالجزائر الدكتور وهبة الزحيلي فشكا إليه هذا ما لقيه من عنت في تصيد دلائل فقه مالك من كتب غيره عند تأليفه كتابه "الفقه الإسلامي وأدلته" المطبوع. وبالمقارنة نجد عند فقهاء المذاهب الأخرى دواوين حافلة بالتأصيل، والاستدلال والتعليل، بل حتى كثير من المتون الصغيرة لا تخلو من ذلك. والكلام في هذا الموضوع طويل الذيل. فلنكتف بهذا الإلماع، لِنَخْلُصَ للإشارة إلى أدلة مذهب مالك فنقول بادئ ذي بدء:

بإنها لا تبلُغ عند الآخرين ما بَلَغت عند المالكية الذين أَوصَلُوها إلى ستة عشر أو سبعةَ عشَر دليلاً، وهي إنما عُرفت بالاستقراء، لا بنص الإمام، أو كبار أصحابه: كابن القاسم، وأشهب، وابن وهب، والمغيرة. وإذا تأملها القارئ الواعي وَجَدها تنزل إلى النصف لتداخل بعضِها، وقد انفرد المذهب المالكي بعمل أهل المدينة، ونُوزع في ذلك مالك رحمه الله عَلَى أن الصواب فيه: أنه في غير ما يتناوله الاجتهادُ والرأي، وإنما هو فيما سبيلُه التوقيف كالصاع والمد، ومَن وَقَف على نقد أبي محمد ابن حزم في كتابه الممتع: "الإحكام، في أصول الأحكام"، جزم بضعف هذا الأصل عن الوقوف أمام الوحيين، والإجماع، والقياس الجَلِي، وهذا ما أجمع عليه المسلمون من أهل السنة والجماعة حتى الظاهرية نفاة القياس، فإنهم إنما ينفون القياسَ الخفي. وقد عاب الناسُ غلو المالكية في دَعوَى عمل أهل المدينة، بينما لم تتجاوز مسائل العمل عند الإمام في الموطأ المائتين ونيفاً، وبلغ مجموعُها في أمهات المذهب نحوَ الأربعمائة، ومن الواضح أن استكثار الإمام من هذه الأدلة، كان بسبب قلةَ حديثه، فهذا الموطأ وهو الأصل الأول من أصول الحديث، لا تتجاوز أحاديثه المسندة الصحيحة خمسمائة، ودَعك من المبالغات، ومنها: زَعمُ المالكية: أن رواية عَتِيق للموطأ بَلََغت عشرةَ آلاف حديث، وهذا العدد لا يكاد يُوجد في الحديث الصحيح جملة. وقد كان من عادة الرواة الأولين: أنهم يَعُدون الأسانيدَ، والطرقَ، والآثار الموقوفة، وفتاوي الصحابة، أحاديث، وقد ظهر الآن من روايات الموطأ خمسة، أوسعُها روايةُ محمد بن الحسن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير