الشيباني صاحب أبي حنيفة، وأحاديثها نحو الألف، وفيها ما ليس من حديث مالك على ما فيها من الأحاديث الضعيفة وهذا أبو عمر بن عبد البر – وليس للمالكية مثلُه- شرح الموطأ ب"الاستذكار"، و"التمهيد"، معتمدا ثماني روايات على رأسها: رواية يحيى بن يحيى السائدة بالأندلس، والمغرب، لم يَتجاوز حديثه ما قلنا، ومن الجدير بالذكر: أن عمل أهل المدينة، فَتَح لمالكية الأندلس والمغرب فقط بابَ العمل وجريانِه، والاعتماد عليه، وتقديمه على الراجح والمشهور، جُمعت مسائله بالأندلس وهي كثيرة، نظمها الفيلالي السجلماسي في أرجوزة "العمل المطلق" وهي مطبوعة في مجموع المتون الفاسية، ونظم عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي عملَ أهل فاس في أرجوزة مشهورة ومشروحة بلغت مسائلها المئات، وسمعنا أن الفقيه أحمد الرهوني التطواني وهو شيخنا، جَمَع نحو سبعين مسألة جَرَى بها العمل بتطوان.
وهكذا وَلَجَ الناسُ هذا الباب للعبث بأحكام الشرع، مما حدا ببعض الغيورين إلى استنكارِ هذا العمل جملة وتفصيلا، ومن الطريف أن أحد مشايخنا (الدكتور تقي الدين الهلالي) كان يقول عن العمل المطلق: أي عن قيد الإيمان، وعن العمل الفاسي: بأنه العمل الفاسد بالدال، وبعضهم يطلق عليه العمل الفاسق، وهم وإن زَعَموا أن لجريان العمل شروطاً خمسة، فإن مَن تأملها وجدها نظرية لا تقبل التطبيق على ما جرى به العمل، وقد جمع هذه الشروط محمد بن المدني كنون في قوله:
والشرط في عملنا بـ (العملِ) ... صدورُه عن قُدوة مؤهل
معرفة الزمان، والمكان ... وجود موجِبِ إلى الأوان
والملاحظ: أن كثيراً من المسائل التي جرى بها العمل مخالفة للشريعة والمذهب، وهم يعلمون هذا، ويبررون بقاءَها والحكم بها وتقديمها بجريان العمل بشروطه. وهذه أمثلة على سبيل المثال لا الحصر،
منها: ترك الحكم باللعان وهو حكم قرآني.
قال في أرجوزة العمل الفاسي:
واترُك لفاسقٍ وغيرِه اللعان ْ ... أو هُو لفاسقٍ فقط بغيرِ ثان
وقال الزقاق في لاميته:
وترك لعان مطلقا أو لفاسق ... الخ،
وإذا أردنا تطبيق الشروط لم نجد إلا ثبوته إلى الآن، ومكانه، هو فاس, أمَّا مَتَى وقع هذا، ومَن أولُ مَن ألغاه فلا يُعرف بالتدقيق
ومنها: بعث الحكَمين للإصلاح بين الزوجين، وهو أيضا حكم قرآني، قال تعالى:
{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاق بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيما خَبِيراً} ً. [النساء:35]
وقد شن أبو بكر ابن العربي في أحكام القرآن، الغارة علىَ المالكية في هذا، وهذه عبارته بعد إيراده آية: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاق بَيْنِهِمَا ... }
قال: (هي من الآيات الأصول في الشريعة، ولم نجِد لها في بلادنا أثراً ... بل ليتهم يرسلون إليَّ الأمينة، فلا كتابَ الله تعالى ائتمروا، ولا بالأقيسة اجتزَوْا، وقد نَدبْتُ إلى ذلك فما أَجابني إلى بَعْثِ الحكمين عند الشقاق إلا قاضٍ واحد، ولا إلى القضاء باليمين مع الشاهد إلا قاضٍ آخر، فلما ولاَّني الله الأمرَ أجريتُ السنة كما ينبغي، وأرسلتُ الحَكَمين، وقمْتُ في مسائل الشريعة كما علَّمني الله سبحانه ... إلخ.
وهذا نص جيد جداً، وهو غني عن التعليق،وقد أفاد تورطَ مالكية الأندلس في إلغاء الحكم بالشاهد واليمين أيضا رَغمَ رواية مالك لحديثه في الموطأ، وقد سبق ابنَ العربي إلى التشنيع عليهم بذلك أبو عمر ابن عبد البر في "التمهيد" في عبارة قاسية، ثم هذا أيضا لا يقبل تطبيق شروط العمل إلا ما كان من الحُكم بالشاهد واليمين، فقد سَمَّى ابن عبد البر أولَ مَن ألغاه وهو يحيى بن يحيى ولم يذكر لذلك سببا، ومنها: ما عبر عنه صاحب العمليات بقوله:
والذِّكْرُ مَعَ قِرَاءَةِ الأَحْزَابِ ... جَمَاعَةً شَاعَتْ مَدَى أَحْقَابِ
كَذَا المَثَانِي تَعْقُبُ المُعَقِبَات ... مَعَ رَفْعِكَ الأَيْدِي بِإِثْرِ الصَّلَوَاتْ
¥