وعن عبدالرحمن بن القاسم أن شرطي المدينة دخل على مالك بن أنس رحمه الله تعالى فسأله عن رجل رفع إليه أنه قد أتى امرأته في دبرها، فقال مالك: " أرى أن توجعه ضرباً فإن عاد إلى ذلك ففرق بينهما " (3) 0
(1) أنكر الإمام القرطبي أن يكون له كتاب اسمه " السر "، وأثبته ابن حجر في التلخيص، قال: قلت: وكتاب السر وقفت عليه في كراسة لطيفة من رواية الحارث بن مسكين عن عبدالرحمن بن القاسم عن مالك، وهو يشتمل على نوادر من المسائل، وفيها كثير مما يتعلق بالخلفاء، ولأجل هذا سمي كتاب السر 0
(2) تفسير القرطبي: 1/ 903 0
(3) المدخل لابن الحاج: 2/ 196 ـ 197 0
وأما مارواه أبو بكر بن زياد النيسابوري قال: " حدثني اسماعيل بن حصن، حدثني إسرائيل بن روح سألت مالك بن أنس: ماتقول في إتيان النساء في أدبارهن؟ قال: ما أنتم إلا قوم عرب، هل يكون الحرث إلا موضع الزرع؟ لا تعدو الفرْج، قلتُ: يا أبا عبدالله إنهم يقولون إنك تقول ذلك؟ قال: يكذبون عَليَّ، يكذبون عليَّ " (1) 0
لكن الحافظ ابن حجر قال: " لكن الذي روى عن ابن وهب غير موثوق به (يقصد التكذيب) والصواب ماحكاه الخليلي (يقصد به القول بالرجوع) " (2) 0
وقال الحافظ في الفتح (3): " وعلى هذه القصة اعتمد المتأخرون من المالكية، فلعل مالكاً رجع عن قوله الأول، أو كان يرى أن العمل على خلاف حديث ابن عمر، فلم يعمل به وإن كانت الرواية فيه صحيحة على قادته " 0
والذي يترجح القول بالرجوع عن ذلك إلى القول بالتحريم (4) 000 والله أعلم 0
أما الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ: فحكى ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال: " لم يصح عن رسول الله r في تحريمه ولا في تحليله شيء، والقياس أنه حلال " (5) 0
(1) ابن كثير في تفسيره: 1/ 272 0
(2) مانقل عن الإمام مالك بتكذيب من نسب اليه إباحة وطء المرأة في الدبر غير ثابت، بل الصحيح أنه كان يقول بالحل غير أنه رجع عنه 0
(3) 8/ 190 0
فائدة: روى عن الأوزاعي: يجتنب أو يترك من قول أهل الحجاز خمس، ومن قول أهل العراق خمس، من أقوال أهل الحجاز: إستماع الملاهي، والمتعة، وإتيان النساء في أدبارهن، والصرف، والجمع بين الصلاتين بغير عذر، ومن أقوال أهل العراق: شرب النبيذ، وتأخير العصر حتى يكون ظل الشيء أربعة أمثاله، ولا جمعة إلا في سبعة أمصار، والفرار من الزحف، والأكل بعد الفجر في رمضان 0
(4) المدخل لابن الحاج: 2/ 198 0
(5) أخرجها الحاكم في " مناقب الشافعي "، وابن أبي حاتم في " مناقب الشافعي "، والبيهقي في " معرفة السنن والآثار ": 5/ 335 0
قال الحاكم: لعل الشافعي كان يقول ذلك في القديم، فأما في الحديث، فالمشهور أنه حرَّمها (1) 0
وكذلك قال الربيع عن الشافعي، وأنه قد نص الشافعي على تحريمه في ستة من كتبه 0
قال أبو نصر الصباغ: " كان الربيع يحلف بالله لا إله إلا هو، لقد كذب ـ يعني ابن عبدالحكم ـ على الشافعي في ذلك، لأن الشافعي نص على تحريمه في ستة كتب من كتبه " (2) 0
قال ابن حجر: " وتكذيب الربيع لمحمد لا معنى له، لأنه لم ينفرد بذلك، فقد تابعه عبدالرحمن بن عبدالله أخوه عن الشافعي 000 " وإن كان كذلك فهو قول قديم، وقد رجع عنه الشافعي، كما قال الربيع، وهذا أولى من إطلاق الربيع تكذيب محمد ابن عبدالله بن عبدالحكم، فإنه لا خلاف في ثقته وأمانته " (3) 0
وأما قصة المناظرة التي جرت بينه وبين محمد بن الحسن في تقرير الإباحة 0 قال ابن حجر: " ولا شك أن العالم في المناظرة يتقذر القول وهو لا يختاره، فيذكر أدلته إلى أن ينقطع خصمه، وذلك غير مستنكر في المناظرة 00 والله أعلم " (4) 0
وجماع كل هذا ما قاله الإمام ابن القيم: فلعل الشافعي ـ رحمه الله ـ توقف فيه أولاً، ثم لما تبين له التحريم وثبوت الحديث فيه رجع إليه، وهو أولى بجلالته ومنصبه وإمامته من أن يناظر على مسألة يعتقد بطلانها، يذب بها عن أهل المدينة جدلاً، ثم يقول والقياس حله، ويقول ليس فيه عن رسول الله r في التحريم والتحليل حديث ثابت، على طريق الجدل، بل إن كان ابن عبد الحكم حفظ ذلك عن الشافعي فهو قد رجع عنه، لما تبين له صريح التحريم 0 والله أعلم 00
(1) التلخيص: 3/ 182 0
(2) ابن كثير: 1/ 346 0
(3) التلخيص: 2/ 182 0
(4) نفس المصدر 0
¥