ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[22 - 05 - 09, 09:28 م]ـ
سـ14/ هل يمكن أن يكون الواجب الكفائي واجباً عينياً؟ وضح ذلك بالأمثلة؟
جـ/ أقول: نعم، يمكن ذلك، وذلك أننا قدمنا أن المقصود من الواجب الكفائي وقوع الفعل دون النظر إلى فاعله، فإذا لم يوجد من يقوم به غيره فلا مستطيع له إلا ذلك الشخص فإنه يكون واجباً عينياً في حقه، ويكفي في ذلك غلبة الظن فمن غلب على ظنه أن غيره لا يقوم بفرض الكفاية فإنه يتعين عليه هو أن يقوم به، وعلى ذلك أمثلة:
منها: إذا لم يكن في البلد أحد يعرف السنة في تغسيل الميت إلا هذا الرجل فقط فإن تغسيل الميت يكون في حقه فرض عين, مع أنه كان فرض كفاية لكن طرأ عليه ما يجعله فرض عين وهو غلبة ظنه أنه لا يقوم أحد بالتغسيل إلا هو، فهذه الغلبة قلبت فرض الكفاية إلى فرض العين والله أعلم.
ومنها: إذا علمت أو غلب على ظنك في هذا المنكر أنه لا ينكره أحد وكانت عندك القدرة لإنكاره فإن إنكار هذا المنكر المعين في هذه الحالة يكون فرض عين في حقك.
ومنها: لو غرق شخص في نهر وحوله الخلق مجتمعون ولكن لا يعرف السباحة منهم أحد إلا واحد فقط، فيكون إنقاذ الغريق في هذه الحالة في حق هذا الشخص فرض عين، لأنه غلب على ظنه أن غيره لا يقوم به، وأنه لا قدرة لأحد في إنقاذه إلا هذا الرجل فينقلب فرض الكفاية في حقه فيكون فرض عين والله أعلم.
ومنها: لو دخل العدو ديار المسلمين ولم يتمكن الجند من صدهم فإنه يتعين على كل مسلم قادر في هذه البلد أن يجاهد بدفع العدو عن حرمات المسلمين وأموالهم ما ستطاع إلى ذلك سبيلاً، فانقلب الجهاد من فرض كفاية إلى فرض عين لعدم كفاية الجند لذلك.
ومنها: لو مات رجل في مكان ولم يوجد به من يصلي عليه إلا هذا الرجل فإن صلاة الجنازة تكون فرض عين في حقه لأنه يعلم أو يغلب على ظنه أنه لن يقوم بالصلاة إلا هو فتكون فرض عين في حقه.
ومنها: لو لم يوجد في البلد أحد يعرف السنة في الدفن إلا واحد فيكون دفن الميت في حقه من فروض الأعيان.
ومنها: الأمر بالمعروف النهي عن المنكر على موظفي الهيئات من فروض الأعيان لا من فروض الكفاية لأن ولي الأمر عينهم لذلك وأمرهم به بأعيانهم فيجب عليهم وجوب عين أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، مع أنه في حق غيرهم لا يزال باقياً على أصل حكمه الأول الذي هو فرض كفاية وبالجملة فإنه إذا غلب على ظن المكلف أن غيره لم يقم بالواجب الكفائي وهو قادر على القيام به، أصبح هذا الواجب في حقه من واجبات الأعيان وعلى ذلك فقس، وإن أردت القاعدة في هذه المسألة ليسهل عليك الأمر فأقول: نص القاعدة يقول: (فروض الكفايات تتعين على من لم يقم بها غيره) والله ربنا أعلى وأعلم.
سـ15/ من المخاطب بفرض الكفاية؟ وهل يلزم بمجرد الشروع فيه؟
جـ/ أقول: هاتان مسألتان خلافيتان والصحيح إن شاء الله تعالى، أن المخاطب بفرض الكفاية جميع المكلفين، أي أن فرض الكفاية موجه لجميع الأمة أي المكلف منهم، وفعل بعضهم لهذا الواجب مسقط للطلب منهم، وهذا مذهب جماهير أهل الأصول رحمهم الله تعالى، ودليل ذلك أن العلماء اتفقوا على ترتيب الإثم على الجميع إذا لم يقم به أحد فتأثيم الجميع موجب لتكليفهم جميعاً، لأنه لا يمكن أن يؤاخذ الإنسان على شيء لم يكلف به، فدل على أن وجوبه والخطاب به كان متوجهاً لكل مكلف فهذا بالنسبة للشق الأول من السؤال، وأما بالنسبة للشق الثاني فالصحيح إن شاء الله تعالى أن فرض الكفاية لا يلزم بالشروع فيه إلا في حالتين:
الأولى: في الجهاد في سبيل الله تعالى، ذلك لأنه إذا شرع في الجهاد ثم ترك الصف فإن في ذلك كسر لقلوب الجند وإضعاف لشوكة المسلمين وفيه تخذيل لهم عن مواصلة القتال، ولأنه بمجرد حضوره لصف القتال يكون الجهاد قد وجب عليه وجوب عين فلا يجوز له الرجوع بحال، ويؤيد ذلك قوله تعالى ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ? وقال تعالى ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (16) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ
¥