تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

سـ47/ متى يكون المباح عبادة؟ وما القاعدة في ذلك، مع ذكر الفروع على ذلك؟

جـ/ أقول:- يكون المباح عبادة بالنية الصالحة، وباتباع الهيئة الشرعية فيه، والقاعدة في ذلك تقول (المباحات تنقلب عبادات بالنيات الصالحات) أي أن المباح بالنظر إلى ذاته لا يتعلق به ثواب ولا عقاب وأما بالنظر إلى نيته فإنه لا يخلو من حالتين:- إما أن ينوي به نية سيئة فاسدة وإما أن ينوي به نية صالحة طيبة ولكل أمريءٍ ما نوى فإن كان قد نوى به السيئة فإنه يعاقب على فعل هذا المباح، لأنه وسيلة والوسائل بها أحكام المقاصد، وهذا ليس المقصود من سؤالنا، لأن السؤال هو عن كيفية انقلاب المباح إلى عبادة، وذلك لا يكون إلا بالنية الصالحة الطيبة، فأي مباح قصد به صاحبه القصد الطيب فإنه يترقى بهذه النية الطيبة من كونه مباحاً لا يثاب فاعله إلى كونه عبادة يثاب فاعلها، ويدل على ذلك حديث عمر المشهور» إنما الأعمال بالنيات «فهذا المباح ينظر فيه إلى نية فاعله فإن كانت صالحة فإنه يثاب لأنه عمل والأعمال بنياتها والأمور بمقاصدها وغاياتها. ويدل عليه أيضاً حديث» إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة «فإنفاق الرجل على أهله لنا فيه نظران:- نظر من ناحية الأصل ونظر من ناحية الفرع، فأما النفقة في الأصل فيه واجبة، وأما بالنظر إلى فروعها وآحادها فإنها مباحة فإذا أنفق الإنسان على أهله يحتسب هذه النفقة عند الله تعالى فإنها تكون له صدقة، سواءً الواجبة والمباحة، فلما اقترن بالنفقة المباحة النية الصالحة وهي نية احتسابها عند الله جل وعلا ترقت من كونها مباحة لا يثاب عليها إلى كونها عبادة يثاب عليها، ومن الأدلة أيضاً حديث» وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها صدقة، قال: أرأيتم إن وضعها في حرام كان عليه وزر فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر «"رواه مسلم في صحيحه" وهذا يفيد أنه إذا نوى بجماعة العدول عن الحرام فإنه يؤجر على هذا الجماع، مع أن الأصل أن الجماع من المباحات، إلا أنه ترقى بهذه النية الطيبة من كونه مباحاً لا ثواب فيه إلى كونه عبادة يثاب فاعلها. ويتضح الأمر أكثر بضرب الفروع على ذلك فأقول وبالله التوفيق ومنه استمد العون والفضل:-

منها: الأكل والشرب فإن الأصل أنه من جملة المباحات التي لا ثواب فيها ولا عقاب ولكن إذا قصد العبد بأكله التقوي على طاعة الله تعالى واستعمل في أكله الآداب الشرعية الواردة في شأن الأكل فإنه يكون بذلك قد قلب هذه العدة إلى عبادة، أي أن أكله هذا بدل أن يكون عادة لا يثاب عليها صار عبادة يثاب عليها، وهذا توفيق الله تعالى للعبد، فقبل البدء في الطعام ينبغي لك أن نستشعر أنك تتعبد لله تعالى بهذه اللقيمات وفي الصحيحين من حديث سعد مرفوعاً» حتى ما تجعل في فيِّ امرأتك «أي أن الرجل إذا جاء بالطعام لأهله محتسباً لله تعالى فإن ما ترفعه المرأة لفيها من هذا الطعام يكون له فيها أجر، قال النووي رحمه الله تعالى (ويتضمن ذلك أن الإنسان إذا فعل شيئاً أصله على الإباحة وقصد به وجه الله تعالى فإنه يثاب عليه وذلك كالأكل بنية التقوي على طاعة الله تعالى، والنوم للاستراحة ليقوم إلى العبادة نشيطاً) ا. هـ وقد حرص العلماء على التنبيه على ذلك فقد جاء في حاشية ابن عابدين (وينوي به - أي بالطعام والشراب - أن يتقوى به على العبادة فيكون مطيعاً ولا يقصد به التلذذ والتنعم فإن الله تعالى قد ذم الكافرين بأكلهم للتمتع والتنعيم فقال ?وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ?) ا. هـ فعلى الإنسان عند تناول طعامه أن يحسن نيته ولا يتلفظ بها لأن محلها القلب، قال بعض السلف (من سره أن يكمل له عمله فيحسن نيته فإن الله عز وجل يأجر العبد إذا حسنت نيته حتى باللقمة) وقال بعضهم (أني لأحب أن تكون لي نية في كل شيء حتى في الطعام والشراب) ا. هـ.

ومنها: الشرب ويقال فيه ما قيل في الأكل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير