الأصل الثالث: الاتفاق على منطلقات ثابتة وقضايا مُسَلَّمة. وهذه المُسَلَّمات والثوابت قد يكون مرجعها؛ أنها عقلية بحتة لا تقبل النقاش عند العقلاء المتجردين؛ كحُسْنِ الصدق، وقُبحِ الكذب، وشُكر المُحسن، ومعاقبة المُذنب، أو تكون مُسَلَّمات دينية لا يختلف عليها المعتنقون لهذه الديانة أو تلك، وبالوقوف عند الثوابت والمُسَلَّمات، والانطلاق منها يتحدد مُريد الحق ممن لا يريد إلا المراء والجدل والسفسطة. قال الشيخ صالح بن حميد: «ولهذا فإننا نقول إن من الخطأ – غير المقصود – عند بعض المثقفين والكاتبين إثارة هذه القضايا، أعني: تطبيق الشريعة – الحجاب – تعدد الزوجات – وأمثالها في وسائل الإعلام، من صحافة وإذاعة على شكل مقالات أو ندوات بقصد إثباتها أو صلاحيتها. أما إذا كان المقصود: النظر في حِكَمِها وأسرارها وليس في صلاحيتها وملاءمتها فهذا لا حرج فيه، إذْ: ? ????? ????? ?????????? ???? ?????????? ????? ????? ???? ????????????? ?•????? ??? ??????? ?????? ???????????? ???? ?????????? ? ? [الأحزاب:36]، وأخيراً فينبني على هذا الأصل؛ أنَّ الإصرار على إنكار المُسلَّمات والثوابت مكابرة قبيحة، ومجاراة منحرفة عن أصول الحوار والمناظرة، وليس ذلك شأن طالبي الحق».
الأصل الرابع: التجرُّد، وقصد الحق، والبعد عن التعصب، والالتزام بآداب الحوار.
الأصل الخامس: أهلية المحاور؛ إذا كان من الحق ألا يمنع صاحب الحق عن حقه، فمن الحق ألا يعطى هذا الحق لمن لا يستحقه، كما أن من الحكمة والعقل والأدب في الرجل ألا يعترض على ما ليس له أهلاً، ولا يدخل فيما ليس هو فيه كفؤاً .. وكثير من الحوارات غير المنتجة مردُّها إلى عدم التكافؤ بين المتحاورين، ولقد قال الشافعي ~: (ما جادلت عالماً إلا وغلبته، وما جادلني جاهل إلا غلبني!). وهذا التهكم من الشافعي ~ يشير إلى الجدال العقيم؛ الذي يجري بين غير المتكافئين.
الأصل السادس: الرضا والقبول بالنتائج التي يتوصل إليها المتحاورون، والالتزام الجادّ بها، وبما يترتب عليها.
ومن أهم آداب الحوار:
1 – الإخلاص؛ قال الشيخ صالح بن حميد: «ومن التحسس الدقيق والنصح الصادق للنفس أن يحذر بعض التلبيسات النفسية والشيطانية فقد تتوهم بعض النفوس أنها تقصد إحقاق الحق، وواقع دخيلتها أنها تقف مواقف انتصار ذاتٍ وهوى. ويدخل في باب الإخلاص والتجرد توطين النفس على الرضا والارتياح إذا ظهر الحق على لسان الآخر ورأيه، ويعينه على ذلك أن يستيقن أن الآراء والأفكار ومسالك الحق ليست ملكاً لواحد أو طائفة، والصواب ليس حكراً على واحد بعينه. فهمُّ المخلص ومهمته أن ينتشر الحق في كل مكان، ومن أيّ مكان، ومن أيّ وعاء، وعلى أيّ فم، إن من الخطأ البيِّن في هذا الباب أن تظن أنّ الحق لا يغار عليه إلا أنت، ولا يحبه إلا أنت، ولا يدافع عنه إلا أنت، ولا يتبناه إلا أنت، ولا يخلص له إلا أنت».
2 – التزام القول الحسن، وتجنب منهج التحدي والإفحام.
3 – الالتزام بوقت محدد في الكلام. ومن المفيد أن تعلم؛ أن أغلب أسباب الإطالة في الكلام ومقاطعة أحاديث الرجال يرجع إلى ما يلي: إعجاب المرء بنفسه، أوحبّ الشهرة والثناء، أوظنّ المتحدث أن ما يأتي به جديد على الناس، أوقِلَّة المبالاة بالناس في علمهم ووقتهم وظرفهم، والذي يبدوا أن واحداً منها إذا استقر في نفوس السامعين كافٍ في صرفهم، وصدودهم، ومللهم، واستثقالهم لمحدِّثهم.
4 – حسن الاستماع وأدب الإنصات وتجنب المقاطعة.
5 – تقدير الخصم واحترامه.
6 – حصر المناظرات في مكان محدود.
غاية الحوار:
الغاية من الحوار إقامةُ الحجة، ودفعُ الشبهة والفاسد من القول والرأي. فهو تعاون من المُتناظرين على معرفة الحقيقة والتَّوصُّل إليها، ليكشف كل طرف ما خفي على صاحبه منها، والسير بطرق الاستدلال الصحيح للوصول إلى الحق. يقول الحافظ الذهبي: (إنما وضعت المناظرة لكشف الحقِّ، وإفادةِ العالِم الأذكى العلمَ لمن دونه، وتنبيهِ الأغفلَ الأضعفَ).
قلتُ: ومما يعجب منه المرء ما نسمعه هذه الأيام من رمي بعض المنحرفين أهلَ الاستقامةَ بأحادية الرأي، وعدم قبول الحوار، والتشنج والانفعال، واستعداء السُّلْطة ... إلى آخر ما قالوا؟!!
¥