فينبغي على الجميع العمل، وبذل الجهد والطاقة في توضيح المفاهيم السابقة، لينالوا شرف خدمة هذا الدين العظيم.
فنسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يشرفنا خدمة هذا الدين، وأنْ يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
??????
(14)
الدَّاعِيَة البَصِير ..
يتفقدُ قَلْبَهُ
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بنُ يُوسف الأَصْبَهَانِيّ () لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ (): «حَدّثْ النَّاسَ وَعَلمهُم، وَلكنْ انظرْ إِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ حَوْلَكَ كَيْفَ يَكُونُ قَلْبكَ؟» ().
وقال عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: كنتُ أجلسُ يومَ الجُمُعة في مَسْجِدِ الْجَامِعِ، فيجلس إلىَّ النَّاس فإذا كَانوا كثيراً فَرحتُ، وإذا قَلوا حَزنتُ، فسألتُ بشرَ بنَ منصور () فَقَالَ: هَذا مجلسُ سوء لا تعدْ إليه، قَالَ: فَمَا عُدتُ إليهِ. وقَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ يوماً – وقام من المجلس وتبعه الناس – فَقَالَ: يَا قومِ لا تطؤا عَقبى، ولا تمشوا خَلْفي، وَوَقَفَ فَقَالَ: حَدّثَنا أبو الأشهب عَنْ الحَسَنِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ ابنُ الخطّاب: إنَّ خَفْقَ النّعالِ خَلْفَ الأحمق قلَّ مَا يبقى مِنْ دِينهِ ().
وقال عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ >: «أَخِّرُوا عَلَىَّ خَفْقَ نِعَالِكُمْ، فإنها مُفْسدةٌ لِقُلُوبِ نَوْكَى () الرِّجَال» ().
إنَّ المُسْلمَ – وَخَاصةً العاَلِم المُرَبّي، والدَّاعِيَة، لأنَّهُما عُرْضةٌ لخَفْق النّعالِ خَلْفَهُما أكثر مِنْ غَيرهِما – بحاجةٍ مُلحة لتفقد قلبه وما يَرِدُ عَليهِ مِنْ خَطَرات وأفكار وهواجس، فالقلبُ إنَّما سُمي قلباً لكثرة تقلبهِ.
والمُسْلمُ الفطن لدينه يستشعرُ قَوْلَهُ تَعَالَى: ? ?????????????? ???? ???? ??????? ?????? ?????????? ??????????? ?????????? ???????? ??????????? ? [الأنفال:24]، إنَّ هذه الآية تستوجب اليقظة الدائمة، والحذر الدائم، والاحتياط الدائم. اليقظة لخلجات القلب; والحذر من كل هاجسة فيه وكل ميل مخافة أن يكون انزلاقاً؛ والاحتياط الدائم للمزالق والهواتف والهواجس.
كما تستوجب التعلق الدائم بالله سبحانه مخافة أنْ يقلّب هذا القلب في سهوة من سهواته.
إنَّ هذه الآية تهز القلب حقا؛ ويجد لها المؤمن رجفة في نفسه حين يخلو إليها لحظات، ناظرا إلى قلبه الذي بين جنبيه، وهو في قبضة الواحد القهار؛ وهو لا يملك من تصريف قلبه شيئا، وإن كان يحمله بين جنبيه.
وقد كَانَ أكثر حَلف النَّبِيّ @ لا ومقلب القلوب قَالَ البخاريُّ في صَحيحهِ (): بَاب مُقَلِّبِ الْقُلُوبِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ? ??????????? ?????????????? ??????????????? ? [الأنعام:110]، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عُمر قَالَ: «أَكْثَرُ مَا كَانَ النَّبِيُّ @ يَحْلِفُ لا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ».
وعَنْ أَنَس بنِ مَالك قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ @ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: فَقَالَ: نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ ? يُقَلِّبُهَا (). فإذا كان النبي @ يكثر من ذلك وهو سيّد الخلق فكيف بالناس وهم غير مرسلين ولا معصومين!.
ولذا كان مِنْ دعاء الراسخين في العلم ? ??????? ?? ?????? ?????????? ?????? ???? ??????????? ?????? ????? ??? ??????? ???????? ? ?????? ????? ???•??????? ??? ? [آل عمران:8].
وقد تفاوت الفضلاء في العناية بهذا الجانب – أعني ملاحظة القلب وما يرد عليه –:
1 – فصنفٌ لا يلتفت لهذا أصلاً، وكأنه في مأمنٍ من هذه الخطرات والواردات، بل ربما عدَّ الخوف من هذا، والعناية به ضرباً من الوسوسة والتنطع!.
وهذا التصور فيهِ غفلةٌ عن نصوص الكتاب والسنة التي تبين أهمية القلب وأنَّ عليه مدارَ القولِ والعملِ وفي الحَدِيث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ @: «إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ» ().
¥