تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الإنسان انحدر إلى أسفل وصار في عداد الحيوانات: ?إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا? [الفرقان: 44]، ?وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ? [محمد: 12]، فالشاهد من هذا أن هذا الدين نعمة.

وهذا الدين -كما تعلمون- وكما هو مقرر في الواقع- هذا الدين مكون من الوحي المتلو وهو كلام الله -عز وجل- والوحي الثاني السنة وهي وحي من الله -عز وجل- معنى لكن لفظها بلسان النبي -عليه الصلاة والسلام-، كلا الوحيين المتلو والمعنوي الذي هو سنة المصطفى -عليه الصلاة والسلام- الثابتة عنه كلاهما بلسان عربي مبين، إذن من أراد الوحي وهذا الكنز وهذه النعمة لا يمكن أن يصل إليها إلا بهذا اللسان وبهذا المفتاح، ومن هنا كان علم العربية وكان تعلمه والوصول إليه وضبط قواعده والوقوف على معانيه ودقائقه وبيانه كان تعبدًا، كان فعل ذلك والعمل به والوصول إليه وبذل الجهد في هذا السبيل كان ماذا؟ كان عبادة وتعبدا .... لماذا؟ لأنه مربوط بهذا الدين ولهذا ندرك كلام عمر -رضي الله تعالى عنه- عندما قال: «تعلموا العربية فإنها من دينكم» لا يمكن أن يوصل إلى الدين إلا بهذه اللغة.

ولذلك ندرك شرف هذه العربية، لماذا شرفت اللغة العربية؟ وإلا كانت من سائر اللغات، إنما شرفت بشرف مادتها ومادة القرآن الكريم وهو كلام الله -عز وجل- الذي جاء بهذا اللسان، فلما جاء بهذا اللسان ارتقت هذه اللغة وعلت، ثم نالها من بركة الله -عز وجل- من بركة كلامه لأن الله -جل وعز- قد قال: ? كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ? لأي شيء؟ ?لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ? [ص: 29]، فنال العربية بركة هذا القرآن الحكيم.

ولشيخ المفسرين -الذي أخذ عن شيخ الإسلام ابن تيمية أصول التفسير وطلب العلم فألف كتابًا مشهوراً (تفسير القرآن العظيم) ابن كثير -رحمه الله- الحافظ بن كثير- له كلمة رائعة تكتب بمداد من ذهب عندما بدأ وشرع في تفسير أول سورة يوسف في قوله -جل وعز-: ? إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ? [يوسف: 2]، قال كلمة رائعة يقول -رحمه الله-: "لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس، فلهذا -كما قال- أنزل الله -عز وجل- أشرف الكتب بأشرف اللغات على أشرف الرسل، -يريد به المصطفى -عليه الصلاة والسلام- بسفارة أشرف الملائكة -يريد جبريل-، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض، -يريد به في مكة المكرمة- وابتدئ إنزاله في أشرف شهور السنة -يريد به رمضان المبارك-، فكمل في كل الوجوه"، أي كمل هذا الكتاب من كل الوجوه من لغته ومعانيه ودقائقه وأحكامه وألفاظه ومبانيه وتوجيهاته لأنه من الله -عز وجل-.ولذلك نالت العربية هذه البركة.

فإن طالب العربية إذا أخلص وأقبل على الله -عز وجل- يجد بركة في وقته وفي علمه وفي قلمه وفي مداده وفي بيانه وفي ما يطلبه ولذلك ما على طالب العلم إلا أن يتقرب إلى الله -عز وجل- بطلب العربية لأجل غرض -ليس لذات العربية- كمن يريد أن يصل إلى حاجة ويقف ويعثر دونها، الغرض الرئيس هو ماذا؟ هو فهم هذا الدين وفقه ما أنزله الله -عز وجل- لأننا متعبدون بهذا ولأن الله -عز وجل- قد قال: ? وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ? [الذاريات: 56] وعبادة الله -عز وجل- لا يمكن أن يوصل إليها ولا أن تعرف دقائقها وضوابطها وأحكامها إلا من خلال هذه اللغة بالوصول إلى الأحكام والدقائق واللطائف، ولذلك تجد أنه قد ضل من ضل ممن كان عنده قصور في فهم العربية فتأول النصوص على غير فهمها وعسفها وتعسفها وضرب النصوص بعضها ببعض، وانغلقت عليه بعض المعاني لأنه لم يحذق اللغة ولم يفهمها ولم يدرك مداركها، ولم يقف على معانيها وبيانها.

هذا الأمر وهذه الآية الحكيمة التي تناولناها وهي قوله -عز وجل-: ?كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ? [ص: 29]، في هذه الآية العظيمة أربع فوائد:

الفائدة الأولى:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير