تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أنه كتاب عظيم .. من أين استفدنا صفة العظمة؟ من التنكير في قوله: ? كِتَابٌ ? أي كتاب عظيم متناهٍ في العظمة، لا يحده حد ولا يحصره عد، فقال كتاب عظيم وعظمته في مادته في قيمته في إحكامه.

الفائدة الثانية:

أنه منزل من عند الله ? كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ ? والجمل -كما قال النحاة- "الجمل بعد النكرات صفات".

"كتاب" نكرة و"أنزلناه" صفة، فتبين أن هذا القرآن منزل من عند الله -عز وجل- فهو كلام الله -عز وجل- منزل من عنده على محمد بن عبد الله -عليه الصلاة والسلام- الرسول الخاتم إلى آخر الزمان، فكان هذا القرآن عظيمًا مباركًا نزل بلغة مباركة على رجل مبارك وهو محمد -عليه الصلاة والسلام-.

الفائدة الثالثة:

أنه كتاب مبارك بالوصف عندما نص الله -عز وجل- عليه، عندما قال: ? كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ ?، فتبين بهذا أن هذا القرآن مبارك وأن لغته مباركة وأن أحكامه مباركة؛ وأن كل ما يقود إليه ومن عمل به واشتغل بعلومه ومادته فإنه تدركه تلك البركة كما ذكرنا: في وقته وفي علمه وفي نفسه وفي كتبه ومؤلفاته.

ومن بركة كلام الله -عز وجل- على لغة العرب أن حفظها إلى قيام الساعة، ونطق بذلك وتعهد به --جل وعز- عندما قال:? إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ? [الحجر: 9]، انظر إلى لغات العالم كيف اندثرت وكيف انقرضت وكيف تحول بعضها إلى لغات، كاللغات اللاتينية كيف تفرعت واندثرت، بل إن اللغة الإنجليزية -وهي لغة العلم الآن -كما يقولون- الصناعي وغير ذلك هي -الآن- النص الذي قبل ثلاثمائة وأربعمائة وخمسمائة عام لا يستطاع قراءته ولا فهمه حتى ولو كان الإنسان حاذقا للغة الإنجليزية لابد من معرفة اللهجات في ذلك الزمان، لأنها انقرضت، أما نحن العرب ولله الحمد فنص قبل ألف وأربعمائة عام أو ألف وخمسمائة عام بالإمكان أن تقرأ كلام الله -عز وجل- المنزل في ذلك الزمان وحديث المصطفى -عليه الصلاة والسلام- أو قصيدة لامرئ القيس أو للأعشى أو لغيره وتفهم وإن كنت محدود العربية، لماذا؟ لأن النسق محفوظ ولأن اللغة أيضًا محفوظة ولأن الأسلوب أيضًا انضبط بضبط القرآن الكريم ولذلك تدرك خلل وخطل من يريد أن يفسد على العرب لغتهم، فيدعوا إلى العامية أو اللهجات المحلية أو غيرها فإن هذه مصيبة كبرى، ولكن الله -عز وجل- تعهد بحفظ كتابه فقيض العلماء -وإن كانوا أعاجم- لتقعيد العربية.

والعجيب أن في هذا لطيفة -حتى لا يمتن العرب على الله -جل وعز- بأنهم الحفظة لهذه اللغة-، فقيض عجمًا ليقيدوا العربية ويقعدوها وأكبر مثال على هذا: سيبويه -رحمه الله- المتوفى سنة 108 هجرية، مع أنه فارسي، إلا أنه قعد العربية، فقد رضع العربية من شيخه الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي العربي، وكان سيبويه -رحمه الله- طالب حديث في بداية أمره ولكنه لما لحن في الحديث: (قرأ في أحد الأحاديث في أحد الأيام على شيخه حماد بن سلمة شيخ البصرة المحدث فلحنه وقال أخطأت يا أعجمي- في بعض الأحاديث التي قرأها عندما قال كان النبي -صلى الله عليه وسلم- -عليه الصلاة والسلام- صعد إلى الصفاء، همزها الصفاء، فقال: أخطأت يا أعجمي، فوقعت في نفسه ثم خطأه مرة أخرى،ثم قال في نفسه لأطلبن علما لا يلحنني فيه أحد،) انظر إلى همة الرجال، كيف وقع في نفسه ذلك التقريع، ثم عزمت نفسه وانعقدت همته وتقرب إلى الله -عز وجل- فذهب إلى الخليل بن أحمد فتوسد ركبته ورضع علم النحو عنه ثم قعده في كتابه المشهور "الكتاب" فكان دائمًا يشير إلى شيخه، قال الشيخ، وزعم الشيخ، ووضح الشيخ، فإذا أطلق الشيخ فالمراد به الخليل بن أحمد -رحم الله الجميع-، فالشاهد أن هذا هو الأمر في هذه اللغة فإنها لغة عظمية جميلة.

الفائدة الرابعة من تلك الآية ? كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ?:

أن الغرض من إنزال القرآن الحكيم هو التدبر والتفكر والعمل، ليس فقط التلذذ وليس فقط البكاء إنما العمل، ?لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ?.

ثم إننا إذا رأينا كيف نصل إلى التفكر والتدبر والعمل بهذا؟

عن طريق اللغة، عن طريق البيان، عن طريق علم المعاني، عن طريق هذه الدقائق هذه هي التي توصلنا إلى ماذا؟ إلى التفكر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير