والله -عز وجل- قد بين أن كتابه ميسر ? وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ? [القمر: 17]، هنا استفهام مجازي "ادكروا"، يأمرهم ويحثهم ويبعث هممهم إلى الادكار والاتعاظ عن طريق ماذا؟ حذق المعاني ثم فتح هذه الكنوز وإدراك هذه اللطائف، فعلم المعاني والبيان والبديع هي مفاتيح التنزيل، مفاتيح هذه اللغة.
ومعروف أن المعاني ينبني على النحو، على علم النحو على دقائقه.
فعندنا أولاً سلامة العربية إنما تكون بالجملة النحوية العربية يترقى الإنسان ثم يُفَعِِّل تلك القواعد وينتهي إلى الدقائق واللطائف في علم المعاني، ثم إلى التصوير في البيان ثم البديع وهي الحلية ثم يصل إلى طائف الأسرار والدقائق في كلام الله -عز وجل-.
ولذلك نصل الزمخشري في أول فاتحة كتابه "الكشاف" -التفسير المشهور- على أن علم التفسير من أعظم العلوم وأنه لا يمكن تعاطيه ولا الوصول إلى دقائقه وإلا إلى لطائفه، لا يمكن أن يكون ذلك إلا لرجل قد اختص بعلمين وتمكن في علمين جليلين هما علم المعاني وعلم البيان.
فنص على أن علم المعاني وعلم البيان هما المفتاح.
وبالمناسبة هذه الإشارة من الزمخشري في قوله علم المعاني وعلم البيان هي أول ما تلقانا إذا أخذنا تاريخ البلاغة، أول ما تلقانا من الإشارات الصريحة الظاهرة على تسمية علم المعاني بعلم المعاني، وعلم البيان بعلم البيان، كان الشيخ عبد القاهر شيخ البلاغيين تلك المعاني مترادفة في كتابه الأسرار أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز، مترادفة فيقول: علم البلاغة والبراعة والبديع والبيان كلها عنده مترادفة.
ثم جمعت في البلاغة.
أي نعم.
جاء الزمخشري وقرأ كتابي عبد القاهر الأسرار أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز فبدأ يحصل بعقليته لأن الرجل -عبد القاهر نفسه وكذلك الزمخشري- كلاهما متضلعان في العربية متمكنان في النحو، فبدأ يقعد ويطبق في تفسيره" الكشاف"، فأول تسمية واجهتنا لعلم المعاني وعلم البيان هي من الزمخشري في الكشاف، والزمخشري قد توفي خمسمائة وثمانية وثلاثين هجرية.
لكن قد يرد سؤال: ما حكم تعلم اللغة العربية وعلى رأسها علم البلاغة؟ حقيقة أرجح الأقوال في هذا أنها فرض كفائي، إذا قام بهذا العلم من يكفي سقط العلم، ولكن لو أجمعت لا قدر الله الأمة في زمن من الأزمان، أو في وقت من الأوقات، أو في دولة من الدول، ألا تتعلم اللغة العربية وألا كذا، فإنها تأثم على قدر الوسع والطاقة، تأثم لماذا؟ أو يأثم كل شخص بحسب وسعه وطاقته وقدرته.
نطبق ذلك في امتداد العالم الإسلامي الآن قد يكون في بلد ليس فيه عرب، فيجب على هذه الطائفة أنها تتعلم أو مجموعة منهم يتعلمون اللغة العربية ويحذقونها ثم يرجعون إلى قومهم ليكونوا مفسرين ومنذرين
أي نعم صحيح، ولهذا التفصيل الحكم بهذا، بالنسبة إلى الشعائر التعبدية كالصلاة كإقامة الصلاة وقراءة الفاتحة والتكبيرات في الصلاة وغيرها، واجب عيني على الطاقة وعلى الوسع يجب في الآذان وجمله وفي الإقامة وفي جملها، وفي الصلاة وفي التكبيرات باللغة العربية قراءة الفاتحة كما نعلم بلسان عربي مبين، هذا واجب عيني.
لكن الكلام على ماذا؟ على تعليم العربية لأبناء المسلمين وبنات المسلمين كل ما يخصه الرجال للرجال يعملونهم، والنساء للنساء يعلمنهن، فهذا واجب كفائي، أما بالنسبة إلى الأعيان فإن ذلك في الشرائع التعبد في الفرائض واجب عيني على الوسع والطاقة ? لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا ? [البقرة: 286]، فواجب على كل مسلم عربيا كان أو عجميا أن يتقن العربية في تلاوة الفاتحة وما تيسير من الذكر الحكيم، وفي الشعائر وفي والانتقالات في التكبيرات وفي الأركان وفي الصلوات وما في حكمها.
لذلك فإن حِذْق العربية وإدراكها والعلم بها لاشك أن صاحبها ومن فعل هذا مأجور، وهذا يقودنا إلى إلمامة سريعة في تاريخ التأليف البلاغي، كيف نشأ هذا العلم؟
الحقيقة أن نشأة هذا العلم إنما نشأت في أحضان القرآن الكريم وفي محاولة الإجابة عن سر إعجازه، ولذلك يرى المحقق والمدقق في المؤلفات البلاغية التي أُلفت وابتدأت في التأليف فيها أنها ترتبط أحيانًا باسم القرآن في نظمه أو في مجازه أو كذا.
¥